جاءت قضية محامي العدل والإحسان بفاس، لتكشف من جديد حقيقة التفكير الأصولي المتطرف، بما في ذلك ما تجسده ممارسات تنظيمية داخلية بين أعضاء الجماعة أنفسهم. الحكاية تتلخص في كون المحامي قرر الانسحاب من صفوف الجماعة ، لكن أمام استمرار حديثه عن ما يعتبره اختلالات بداخلها، قرر إخوانه السابقون اللقاء به في الشارع العام لمناقشته، ولما قدم إليهم أخذوه بالقوة إلى منزل أحدهم، وهناك قضى أزيد من خمس ساعات من التعذيب والاستنطاق بغاية استصدار تراجع مكتوب منه عن الاستقالة.
المحامي، وبمجرد إفلاته، قام بوضع شكاية مستعجلة لدى المحكمة حول الاختطاف والاحتجاز وممارسة العنف والتهديد بالقتل، وبموجبها أمر الوكيل العام لدى استئنافية فاس بالبحث في القضية، وتولت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ذلك، حيث أودع سبعة متهمين من مسؤولي الجماعة بفاس رهن الحراسة النظرية بغرض تعميق البحث معهم، وهو ما اعتبرته قيادة الجماعة اختطافا، وأيدتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في ذلك.
بدءا، نسجل حق كافة المغاربة في محاكمة عادلة، وأيضا الرفض المطلق لكافة أشكال التعذيب والاختطاف والشطط، ولكن من الضروري هنا التوقف للتمعن في أصل الحكاية كذلك.
العدل والإحسان ترفض أن يفكر أي منتسب لها بالاستقالة من صفوفها، وإذا ما تجرأ وفعل، فإنها تعمد إلى معاقبته بشكل مباشر، وتلجأ معه إلى الاختطاف والتعذيب وكل الانتهاكات الأخرى.
الجماعات السياسية والدينية أيضا تقوم بالانتهاكات، والمحامي الضحية أيضا مواطن مغربي ومن فصيلة البشر، ومن حقه على الجميع على الأقل أن يستمع إليه وتؤخذ أقواله واتهاماته مأخذ الجد ويفتح تحقيق بشأنها.
الأخطر أيضا، أن ما حصل يكشف تفكيرا مركزيا لدى هذا التيار المتطرف، وفي ذلك رسالة للجميع، وهنا بيت القصيد.
عندما يخرج أحد «معتدلي» التيار، ويشرع في توزيع الشرعية على من شاء من الأحزاب ويحجبها عن البقية، وعندما تقام الحروب ضد الفنانين والفنون والمهرجانات والإبداعات الأدبية، وعندما يعم الإصرار على فرض أنماط لباس وسلوك غريبة على المغاربة وطريقة تدبيرهم لحياتهم اليومية ولعلاقاتهم، وعندما لا يترددون كلهم في معاداة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي نفس الوقت الاستفادة من مزاياها، فكل هذا يعطي الدليل عن «تقية» يتدثر بها كل هؤلاء بيننا.
إلى أين نحن ذاهبون بهذا البلد الطيب؟
هل سنصل إلى جعل مبعوثي عبد السلام ياسين وأمثاله يجولون في الشوارع يطبقون بأيديهم، ولم لا بسيوفهم حتى، شرائعهم وكل الجنون؟
هل في هذا الكلام غلو؟ لا أعتقد، لأن تفكير هؤلاء لا يمنعهم على كل حال من جرنا إلى هذا المصير.
دعوة للتفكير في مستقبلنا الديمقراطي كوطن وكشعب.