لابد من الغوص في عمق ومسار مناصب هؤلاء الوزراء والنواب والمستشارين البرلمانيين في الغرفتين الأولى والثانية، وإيجاد التحليل المنطقي لكيفية حصولهم على تلك المناصب العليا. والتي تأتي إما عن طريق التطوع والترشح في الانتخابات الجماعية والتشريعية (بالنسبة لغرفتي البرلمان)، أو عن طريق اقتراحات الأحزاب السياسية المشكلة للأغلبية الحكومية. وطبعا لا بد من تصنيف تلك المناصب السامية، وتحديد طبيعتها وطابعها. وطرح السؤال الأهم والمهم . وهو: هل تدخل مناصبهم في إطار الوظائف العمومية، التي لها مساطر واضحة للولوج والعمل والترقي والتدرج والتقاعد و… أم أنها تعيينات ظرفية أو مهام تمثيلية، تدخل في خانة العمل التطوعي خدمة للشأن العام.
ولتكن البداية بالنواب والمستشارين البرلمانيين. هذه الفئة التي يعرف الكل، أنها مشكلة من أناس تطوعوا للعمل السياسي بانخراطهم في الأحزاب السياسية. وتطوعوا لخدمة المواطنات والمواطنين بتقديم ترشيحاتهم في الانتخابات (المهنية، الجماعية، التشريعية). وهم من طرقوا أبواب منازل الناخبين والمنتخبين، واستعملوا كل الأساليب الإيجابية والسلبية من أجل استمالة أصواتهم. هم من نظموا المهرجانات الخطابية، ووعدوا الناس بخدمة مصالحهم. ووزعوا المنشورات، التي حرروا بها برامجهم التافهة التي تحمل شعار (كوبي كولي). كل هذا المسار الذي ساروا على دربه يؤكد بما لا يدع حدا للشك، أنهم أناس فقط متطوعين من أجل خدمة المغاربة في التشريع ومراقبة أعمال الحكومة. فهل يحق للمتطوع أن يعامل مثل باقي أطر الوظيفة العمومية أو وفق مدونة الشغل؟ .. وهل يحق له أن يتلقى مقابلا ماديا عن عمله التطوعي؟ … طبعا لا… فهؤلاء تطوعوا لخدمة الشعب لمدة معينة، والشعب وثق فيهم. وأعطاهم فرصة تمثيله خلال تلك المدة.. وليس لهم أي ممر أو مسلك قانوني للتعامل معهم كموظفين أو شغيلة. لكن لنكن منصفين في حق هؤلاء الذين تطوعوا لخدمتنا، ونقبل بأن نحدد لهم تعويضا شهريا عن التنقل والعمل، وليس أجرا شهريا. لا أن نجاري هؤلاء الذين يصرفون أجورهم على سماسرة الانتخابات، وفي تنظيم الولائم واستمالة بعض سكان دوائرهم الانتخابية. ونمنحهم بسخاء أجورا سمينة وتقاعدا نهاية خدمة تطوعية.
على الحكومة أن تتعاقد مع شركة لتصنيع سيارات خدمة بأثمنة رمزية، توضع رهن إشارة كل المنتخبين المسؤولين. وتخصيص ألوان مختلفة لكل فئة من المنتخبين. كما نبقي للموظفين المنتخبين على رواتبهم الشهرية ومنحهم حق التفرغ للعمل التطوعي. الذي يستفيد منه في بلادنا أناس لا علاقة لهم بأي عمل تطوعي أو مصلحة عامة.
أما بخصوص وزراء الحكومة، فطبعا الكل يعلم أن الدستور المغربي واضح، وأنه لا يمكن الحصول على وظيفة وزير، بإجراء مباراة ما. لأن كل من يود الحصول على ذلك المنصب، يتطلب منه المرور عبر خمسة جسور سياسية. أولها التطوع والانخراط في العمل السياسي والحزبي، وثانيها المرور عبر جسر الأحزاب الفائزة بأغلبية الأعضاء البرلمانيين. والتي تمكنت من تشكيل الأغلبية الحكومية. وثالثها اقتراحه من طرف الحزب المشارك في الحكومة، ورابعها اقتراحه من طرف رئيس الحكومة. وخامسها تزكيته من طرف ملك البلاد. وقد نجد وزراء نزلوا بالمنطاد إلى مقرات الوزارات (وزراء تيكنقراط). وطبعا هذه الفئة التي يجب القطع معها. وإن كانت غير منتمية لأي حزب، فإنها اقترحت بالنظر إلى عملها التطوعي، وليس بالنسبة إلى وظيفتها السابقة. وهي فئة تتحمل أغلبية الأحزاب الحاكمة وجودها داخل تشكيلة الحكومة. هذه الأحزاب التي نادرا ما تتوفر على كوادر وكفاءات تمكنها من حمل بعض الحقائب. تتفنن فقط في استنساخ وتفريخ الوزارات بناء على الطلب والابتزاز الداخلي لقيادييها ومنخرطيها. بالإضافة إلى أن منصب الوزير ظرفي. وبالتالي فمنصب الوزير يبدأ بالتطوع. وعليه فإن الوزير المتطوع لا يمكن أن يصنف كالموظف أو العامل.. ولا يحق له أن يتلقى أجرا (راتبا) شهريا سمينا. ولكن بالمقابل يمكن منحه تعويضا شهريا متواضعا. كما يمكن أن يستفيد من التفرغ مع المحافظة على راتبه الشهري إن كان موظفا عموميا.
وكخلاصة لما سبق، فإن عمل الوزراء والبرلمانيين هو عمل تطوعي لا يجب استخلاص أجور مقابله. ومن تم فلا يجب أن تكون هناك معاشات أصلا للفئتين. علما أن بين هؤلاء البرلمانيين أو الوزراء، شباب وشابات في مقتبل أعمارهم. وكيف يعقل أن تصبح لهم معاشات، وأعمارهم لا تتجاوز الثلاثين سنة مثلا. كما أن هناك نساء ورجال وشيوخ يستفيدون من التقاعد أو التقاعد النسبي الخاص بوظائف ومهن سبق وقاموا بها. فلا يعقل أن يتلقوا معاشين. وهناك من الوزراء والبرلمانيين، من سيلتحقون بوظائفهم ومهنهم بعد نهاية استوزارهم وولاياتهم النيابية.
بعد كل هذا … أظن أنه حان الوقت لوقف الجدل، والاتسام بالجرأة اللازمة بإلغاء الأجور الشهرية والمعاشات، وتقنين التعويضات. لكي نجسد المفهوم الحقيقي للعمل التطوعي. وإلا فأنا شخصيا: لم يعد بإمكاني معاتبة بعض أشباه الفعاليات الجمعوية، التي تتسابق من أجل تأسيس جمعيات ومراكز وأندية وهيئات. ذات طابع اجتماعي، بيئي، ثقافي، فني، تربوي، رياضي …، والتي تسعى إلى الحصول على المال. بالاستفادة من منح مجالس الجماعات ودعم القطاعات العمومية والخاصة. ولم يعد بإمكاني المطالبة بمراقبة الصرف المالي ومداخيل الأحزاب والنقابات والمنظمات الوطنية التي تغرد خارج سرب الشعب.
بقلم: بوشعيب حمراوي