من جديد… المفاوضات

تنطلق المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية المباشرة في واشنطن برعاية أمريكية، ووسط عديد مؤشرات سلبية تحيط بالعملية، ما يجعل التشاؤم من نتيجتها هو الغالب في الوسطين الفلسطيني والعربي. جلسات واشنطن، يؤكد أغلب المراقبين، أنها لن تزيد عن طبيعتها الرسمية، في انتظار 26 شتنبر القادم لمعرفة ما إذا كانت إسرائيل ستوقف عمليات الاستيطان، التي قال الرئيس الفلسطيني بشأنها، إنه «لا مفاوضات في ظل الاستيطان».
معروف أن الانتقال إلى المفاوضات المباشرة، جاء بعد شهور من الضغوط الأمريكية خصوصا على الطرف الفلسطيني، لكن الوقائع اليوم في الميدان تجعل إنجاح المرحلة الحالية مرتبطا بمدى جدية الطرف الإسرائيلي، وبمدى استعداده للسلام.
مكونات الائتلاف اليميني الذي يترأسه نتنياهو اليوم، لا تخفي تخوفها من المفاوضات، وبالتالي  فهي تواصل الضغط على مفاوضيها لرفض أي تنازل، وأن التصريحات العنصرية الوقحة التي أدلى بها منذ أيام الحاخام عفاديا يوسف زعيم حركة (شاس) المتطرفة، الممثلة في الكنيست بأحد عشر عضوا،  والمشاركة في حكومة نتنياهو الحالية، تندرج ضمن هذا السياق المعبر عن استمرار التعنت الإسرائيلي والاستخفاف  بكل مفاوضات أو سعي لسلام  حقيقي مع الفلسطينيين.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) بدوره لم يذهب لواشنطن خاليا من الضغوط، ولعل أولها إدراكه أن الفلسطينيين غير متحمسين كثيرا لهذه المفاوضات، كما أن حماس تعارضها بشدة، وفصائل أخرى لم تخف تحفظها، بما في ذلك آراء من داخل حركة فتح التي يتزعمها الرئيس.
وبالرغم من هذه الأجواء السلبية، فإن الرئيس عباس قاد مناقشات فلسطينية ومشاورات عربية واسعة خلال شهور، واختار التمعن في إكراهات الواقع الواضحة على الأرض، واعتماد القراءة الصحيحة لموازين القوى دوليا وعربيا، وابتعد كثيرا عن كل الشعبويات، وذهب لواشنطن  ليضع التحدي أمام العالم.
الفلسطينيون اليوم يريدون من المفاوضات الجديدة أن تحقق لهم إنهاء الاحتلال وتفكيك المستوطنات، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
في واشنطن يسعى الفلسطينيون، مرة أخرى، ليؤكدوا للعالم أنهم يسعون إلى السلام العادل.
إن القضية الفلسطينية تمثل اليوم العار الجاثم على ضمير العالم والإنسانية في القرن الواحد والعشرين، واستمرار الاحتلال والصلف والهمجية في هذه المنطقة من العالم، يوجه إدانة للحضارة الإنسانية.
وعلى الصعيد العربي المفترض أن يشكل الحاضن للنضال الفلسطيني، فإن الزمن ليس للشعبويات وللمقاومات الخطابية أو للإمعان في تشتيت الصف الفلسطيني الداخلي، إنما الوقت لتحمل المسؤولية وحسن قراءة الواقع في العالم، واحترام استقلالية القرار الفلسطيني والمؤسسات الفلسطينية…

Top