بثت إحدى القنوات التلفزية المغربية خلال هذا الأسبوع شريطا دراميا حول الظروف التي يتم فيها تكريم الكاتب ببلادنا، وقد عمل صاحب القصة التي أخرجها باقتدار حميد زيان على إبراز هموم الكاتب المغربي الذي قدر له أن يشقى حتى بمناسبة الاحتفاء به، ويا له من احتفاء.
وبالرغم من المشاهد الكاريكاتيرية التي تم توظيفها في هذا الشريط التلفزيوني، إلا أنها عكست إلى حد بعيد الوضع الاعتباري والرمزي للكاتب المغربي.
لقد ظل ينظر إلى عطاءاته على الدوام باعتبارها لا تستحق أن تحظى بالمكافأة التي تستحقها. لنأخذ على سبيل المثال اللقاءات التي يجري تنظيمها لإلقاء النصوص الإبداعية أو العروض الفكرية، فعادة ما يتم إرفاق الإعلان عنها بتلك العبارة المكرورة: والدعوة عامة.
بمعنى أن ما سيقدمه هذا الكاتب أو ذاك لا يتطلب من الجمهور أن يدفع الثمن مقابل تلقيه. إنه لا يستحق.
إن اللجن المنظمة لمثل هذه اللقاءات، باستثناء تلك التي تحترم نفسها، وما أندرها، عادة ما يسود الاعتقاد لديها بأنها أحسنت إلى هؤلاء الكتاب حينما قررت أن تنظم لقاءات لأجلهم، إنها تنظر إليهم بإشفاق، وغالبا ما تقتصر على مكافأتهم بإطعامهم الغذاء أو العشاء، وكأن الكاتب إنسان جائع، قمة سعادته تكمن في أن يجد من يقدم له الطعام.
ولا شك أن أدباءنا ومفكرينا يتحملون قسطا وافرا من المسؤولية في ما آل إليهم وضعهم الاعتباري. يمكن القول إنهم يحتقرون أنفسهم دون وعي منهم.
حتى في علاقتهم مع الناشرين، يضطرون لتبخيس منتوجهم من أجل أن يخرج إلى الوجود فقط. أكبر همهم هو أن يتم قبول طبع كتبهم. يكتفون بالحصول على بضع نسخ منها ويوقعون في العقود على عدم المطالبة بحقوقهم المادية، هل هناك مازوشية إذا صح القول، أكثر من هذه الحالة؟
هناك من سيقول إن عدم انتظارهم الربح المادي من وراء مؤلفاتهم، يرجع بالأساس إلى علمهم المسبق بمحدودية القراءة والتوزيع وما إلى ذلك، لكن لا أحد أرغمهم على الرضوخ إلى الشروط المجحفة التي يفرضها عليهم الناشر.
وبالعودة إلى التكريم كما عرضه الشريط التلفزيوني المشار إليه في بداية هذه السطور، يبدو أن صاحب القصة كان سخيا حين حدد قيمة الهدايا المقدمة للكاتب بمناسبة الاحتفاء به؛ في زربية كبيرة الحجم ومبلغ مالي يقدر بخمسة آلاف درهم، حيث هناك بعض المكرمين، بتفخيم الراء وترقيقها على حد سواء، لا يكادون يحصلون سوى على صحن قابل للكسر، إن حصلوا عليه.
في المقابل يكون من نصيبهم كلام وافر من تعابير المدح والشكر.
ولعل من بين المشاهد المعبرة التي تضمنها الشريط الآنف الذكر، هو حين سيحاول أحد أصدقاء المكرم أن يواسيه بالقول إن تكريم الكاتب هو تكريم معنوي أولا وأخيرا، فيرمقه بنظرات يائسة وهو يسترجع لحظات الشقاء التي أمضاها بمناسبة تكريمه، عوض أن تكون لحظات متعة واعتزاز بالنفس.
> عبد العالي بركات