الرسالة المفتوحة التي رفعتها حركة ضمير إلى رئيس الحكومة، وكشفت خلالها أن الأغلبية الحالية فشلت في الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها التي سبق أن صرحت بها في بداية ولايتها، تعتبر وثيقة هامة أسست لإضافة متميزة في النقاش العمومي.
لقد تضمنت الرسالة المذكورة أرقاما ومؤشرات باعثة على القلق بشأن الوضع الاقتصادي العام بالبلاد، كما أنها أبانت عن فشل الحكومة، خلال السنتين الأخيرتين، في تحقيق التزاماتها تجاه المغاربة.
حركة ضمير أعملت المعرفة والخبرة الأكاديمية والمنهجية، وأنتجت وثيقة مرجعية ذات أهمية، كما أنها اعتمدت على معطيات رقمية رسمية نشرتها المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب، ووضعت ذلك أمام تحالف الأغلبية الحالية، ودعت إلى تغيير السياسات المتبعة، والكف عن تجاهل معاناة المواطنات والمواطنين.
وفي الوقت الذي يسود وسائل الإعلام العمومية انغلاق كبير، وتعاني البلاد من ضعف واضح في النقاش العمومي الرصين والتعددي، تعرض حركة ضمير اجتهادا متميزا، وتقدم للساحة السياسية الوطنية جهدا بحثيا وعلميا وترافعيا مقدرا، هو نتاج تلاقي إرادة عدد من الخبراء والباحثين والمناضلين.
وحيث أنه لم يبق سوى بضعة أحزاب قليلة جدا، تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة، تنتج خطابا تواصليا منتظما ومواقف وأطروحات تستحق الانتباه، فإن الحاجة اليوم واضحة لاستعادة أدوار المثقفين والباحثين داخل ساحة النقاش العمومي وعبر كل واجهات الفعل المجتمعي، وخصوصا في السياسة والصحافة.
رسالة حركة ضمير إلى رئيس الحكومة لم تفضح فقط فشل التدبير وغياب الوفاء بالالتزامات من لدن الحكومة الحالية، ولكنها أيضا فضحت انعدام الإرادة لدى الحكومة للانفتاح على حوار جاد وتعددي، والإنصات للمختلفين مع سياساتها.
الحكومة اليوم، وكامل منظومتها الدعائية المتنوعة، تستمر في الاستماع إلى ذاتها فقط، وتواصل إنكار الواقع كما هو، وكذلك تنكر فشلها وإخفاقاتها.
حتى بعض القرارات الإيجابية التي تعلنها، ينجح الواقع والمشكلات المتراكمة في امتصاصها، ومن ثم يغيب أثرها وسط المجتمع وبين الناس، كما أنه لا أحد اليوم يستطيع إنكار تورط أطراف حكومية في تضارب المصالح، ويمكن استحضار واقع قطاع المحروقات ووضعية مصفاة سامير كنموذجين فقط لهذه الغرابة، ولا أحد كذلك يمكنه إخفاء المخاطر الكبيرة، وبعضها وجودي حتى، التي تعاني منها المقاولات الصغرى والمتوسطة، وذلك في الوقت الذي يراكم فيه أثرياء، وضمنهم مسؤولون حكوميون بارزون، الأرباح والغنائم الكبيرة…
كل هذا استعرضته رسالة حركة ضمير إلى رئيس الحكومة، بالكثير من التفاصيل والأرقام والحجج، كما نبهت الحكومة إلى تجاهلها لواقع المغربيات والمغاربة، واستمرار إنكارها للمعاناة المتفشية وسط المجتمع بسبب الغلاء والتضخم والمضاربات وغيرها.
على الحكومة وأغلبيتها اليوم قراءة رسالة حركة ضمير بكثير من الإمعان وحسن النوايا، والبناء عليها لإعمال حوار سياسي ومجتمعي صادق وموضوعي مع النخب الاقتصادية والفكرية، ومع قوى المعارضة والأحزاب ذات المصداقية، سواء من خلال البرلمان أو بشكل مباشر، وذلك لبلورة رؤى مناسبة للنهوض بالبلاد، وتحقيق انتظارات الفئات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا.
حركة ضمير اليوم توقفت عند الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بكثير من الصدقية والرصانة والاستدلال، وفاعلون آخرون سبق أن ترافعوا بشأن أوضاع قطاعية متعددة وكثيرة، لكن الحكومة وأغلبيتها ووزاراتها تحجم عن كل حوار منفتح وتعددي، وتكتفي بتدبير أحادي وانفرادي وانغلاقي، ولا تنصت إلا لنفسها، ولا تقبل من ينتقدها، وتواصل إنكار أخطائها وفشلها ولو عرى الواقع ذلك.
أمام الحكومة اليوم فرصة مراجعة اختياراتها وأسلوب عملها ومحتويات وأفق سياساتها لمصلحة شعبنا ومستقبل بلادنا، وعليها أولا أن تعلم نفسها الإنصات لمن يختلف معها بدل الاستمرار في الإنصات لنفسها ومريديها فقط.
إن قضايا وملفات جوهرية مثل الدعم الاجتماعي، والحماية الاجتماعية، والتعليم، والصحة، والثقافة، والإعلام، والصحافة، وغلاء الأسعار، والتصدي للتضخم والمضاربات، وضعف دولة القانون في المجال الاقتصادي، ومعضلات أخرى، يمكن أن يواجهها الفشل بسبب ضعف تدبير الحكومة وغياب الكفاءة لديها، وأساسا بسبب عناد وتعنت معظم وزرائها ورفضهم لكل حوار منفتح وموضوعي مع من يختلف معهم.
رسالة حركة ضمير إذن دقت نواقيس خطر أمام الحكومة وأغلبيتها، وكذلك فعلت هيئات وأحزاب ومنظمات أخرى في مجالات متنوعة، وعلى الحكومة أن تحسن الإنصات وتلتقط الإشارة.
محتات الرقاص