تشكل النساء جزءا كبيرا من القوة العاملة في مختلف الأنشطة التجارية والخدماتية في منطقة الدار البيضاء الكبرى، القلب النابض للحركية الاقتصادية ببلادنا، فهن يسجلن حضورهن الدائم في جميع الفضاءات، ويساهمن بقوة في دورات الإنتاج في جميع المجالات. إلا أن هذه الوضعية لا تخلو من تحديات ومعاناة، لجميع فئات النساء العاملات، ومن بينهن فئة النساء النشيطات في الفضاءات العامة.
في هذا الصدد، قدمت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة(ATEC) ، أول أمس الثلاثاء، ضمن ندوة صحفية بالدار البيضاء، مضامين مذكرتها المطلبية بشأن احتياجات النساء العاملات في الفضاءات العامة، وهي المطالب التي تمت صياغتها بناء على دراسة وتتبع ميدانيين لهؤلاء النساء في تواجدهن اليومي بعدد من شوارع وأسواق العاصمة الاقتصادي، بحثا عن لقمة العيش.
المذكرة المطلبية تعد ثمرة مشروع أنجزته جمعية التحدي، تحت شعار “مدينة الدار البيضاء مدينة آمنة من العنف الممارس ضد النساء العاملات الناشطات في الفضاءات العامة”، بشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب، ضمن البرنامج العالمي “مدن آمنة من العنف”.
وتشمل فئة النساء العاملات في الفضاءات العامة شريحة واسعة من النساء الناشطات في الأسواق الشعبية، أسواق القرب، النقل العمومي، النظافة الحضرية، وغيرها من الأنشطة التي يتم فيها استغلال الفضاء العام. وتضم هذه الفئة أيضا النساء اللواتي لا يستفدن من أي حماية قانونية أو اجتماعية، مثل البائعات الجائلات أو ما يعرف بـ”بائعات الفرَّاشات”، اللواتي يمارسن نشاطهن التجاري في الشوارع أو الأماكن العامة دون أي تأمين أو تغطية صحية.
وأظهرت الدراسات واللقاءات التي أجرتها الجمعية في هذا السياق، أن هذه الفئة من النساء تعاني من صعوبات كثيرة تؤثر على حياتهن المهنية والشخصية، وذلك في غياب سياسات عمومية محلية فعالة تدعم هذه الفئة وتعزز من حقوقهن الأساسية.
وتستند المذكرة إلى عدد من المرجعيات القانونية الوطنية والدولية التي تهدف إلى ضمان حقوق النساء، وفي مقدمتها الدستور المغربي لسنة 2011، والذي يضمن المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل (الفصل 19)، ويؤكد على حق جميع المواطنين في الوصول إلى الخدمات العامة (الفصل 31). كما أن القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية يشير بشكل صريح إلى ضرورة مراعاة مقاربة النوع الاجتماعي في تدبير الشؤون المحلية. بالإضافة إلى ذلك، تستند المذكرة كذلك إلى رؤية هيئة الأمم المتحدة للمرأة التي تؤكد ضرورة القضاء على الحواجز الهيكلية التي تعيق تقدم النساء، لا سيما في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
واستعرض المتدخلون في الندوة الصحفية، التي عرفت حضور ممثلين عن مجلس مدينة الدار البيضاء، وممثلي هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب، فضلا عن ممثلات تنسيقيات النساء النشيطات في الفضاءات العامة، الإشكالات الكبرى التي تواجه النساء العاملات في الفضاءات العامة، والتي تحد من اندماجهن الاقتصادي والاجتماعي، وتتطلب تدخلات سريعة وفعالة من قبل جماعة الدار البيضاء ومجالس مقاطعاتها. وأكد جميع المتدخلين، وعلى رأسهن عدد من النساء النشيطات في الفضاءات العامة، على أن إحداث أسواق نموذجية تستجيب لحاجياتهن ومطالبهن، يعد حلا ملائما في هذا الإطار، ويحتاج إلى تظافر جهود جميع المسؤولين من أجل تنفيذه.
ومن أبرز الصعوبات، مشكل الإنارة العمومية، حيث تواجه العديد من النساء العاملات في الفضاءات العامة صعوبة كبيرة في التنقل والعمل في الفضاءات التي تعاني من ضعف الإنارة العمومية، خاصة في الأحياء الشعبية والاقتصادية. ويعرض انعدام الإنارة أو ضعفها النساء للمخاطر الأمنية ولأعمال العنف والسرقة. ولذلك فقد طالبت المذكرة المرفوعة إلى الجهات المعنية بضرورة تعميم الإنارة العمومية الجيدة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، خاصة في الأحياء الاقتصادية والشعبية، على أن تشمل هذه الإنارة الأسواق العمومية ومساحات العمل في الفضاءات العامة.
ومن بين الإشكالات أيضا تلك المرتبطة بالنقل الحضري. إذ على الرغم من التطورات التي شهدها قطاع النقل في الدار البيضاء من خلال تحديث أسطول الحافلات وإطلاق مشروع “الباصواي” والترامواي، إلا أن مواقيت العمل المحدودة لهذه الشبكات تجعل العديد من النساء العاملات في الفضاءات العامة غير قادرات على الاستفادة من هذه الوسائل في فترات العمل المبكرة أو المتأخرة. ومن ثم حثت المذكرة على تحديث مواقيت انطلاق وانتهاء خدمات النقل الحضري لتتناسب مع مواعيد عمل النساء في الفضاءات العامة، مع الحرص على توفير وسائل النقل الآمنة والمريحة في جميع ساعات اليوم.
كما تواجه النساء العاملات في الفضاءات العامة مشاكل متعلقة بنقص التجهيزات والمرافق الأساسية في الأماكن التي يعملن بها، إذ تفتقر بعض الأسواق العمومية إلى مرافق صحية وعلى رأسها المراحيض العمومية، أو أماكن مخصصة للأمومة والرعاية بالأطفال، مما يزيد من معاناة النساء اليومية ويعرضهن لمخاطر صحية وأمنية. ولذلك طالبت المذكرة بتضمين مرافق صحية خاصة بالنساء والأطفال في أسواق القرب والمرافق العامة المحدثة، مع ضمان توافر مرافق مناسبة للأشخاص في وضعية إعاقة. كما يجب أن تكون هذه المرافق مزودة بشبكة مياه وكهرباء وصرف صحي.
وسلطت المذكرة كذلك الضوء على المعاناة المنستمرة لهاته الفئة من مختلف مظاهر العنف في الفضاءات العامة، بما في ذلك التحرش الجنسي، العنف النفسي، والعنف الجسدي. هذا العنف يحدث في أماكن عملهن وأثناء تنقلهن عبر وسائل النقل العمومي، الأمر الذي يتطلب تكثيف التوعية حول حقوق النساء وحمايتهن من العنف، وتوفير وسائل تكنولوجية مثل كاميرات المراقبة وأرقام هاتفية مجانية للإبلاغ عن حالات العنف. وفي نفس الإطار تأتي صياغة وتقديم العريضة التي وجهتها مؤحرا تنسيقيات النساء العاملات في الفضاءات العامة، المستفيدات من المشروع، إلى رئيسة جماعة الدار البيضاء، بهدف إحداث مراكز للاستماع والتوجيه بجميع المقاطعات الترابية للدار البيضاء، وذلك بهدف تقديم الدعم والحماية للنساء ضحايا العنف.
إلى ذلك، أكد جميع المتدخلين ضمن الندوة الصحفية، على أن تعزيز حقوق النساء العاملات في الفضاءات العامة يتطلب إرادة سياسية قوية وبرامج عمومية محلية تراعي مقاربة النوع الاجتماعي، مشددين على أن تحقيق تنمية شاملة ومستدامة للمدينة لا يمكن أن يتم دون تحسين أوضاع هذه الفئة وضمان حمايتها وأمنها خلال مزاولتها لأنشطتها المهنية.
< سميرة الشناوي