الخطوة الإيرانية: السياقات والمصلحة

أقدمت إيران، ليلة السبت، على شن هجوم على إسرائيل بواسطة عدد من المسيرات والصواريخ المجنحة، وسمت العملية بـ»الوعد الحق»، وذلك ردا على الهجوم الذي كان قد شنه سلاح الجو الإسرائيلي، مستهل هذا الشهر، ضد القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، وترتب عنه سقوط قتلى، ومنذ ذلك الوقت والجميع يترقب الرد الإيراني، ومن ثم تفاقم التوتر والترقب في كامل المنطقة.

من المؤكد أن تحليل الرد الإيراني وتداعياته لا يجب أن يبقى في المستوى العسكري والميداني فقط، ولكن يجب إدراجه ضمن سياقات التبدلات الإستراتيجية الإقليمية والدولية، وفي سياق التنافس الحاد بين عدد من القوى لصياغة مقومات العالم الجديد وبناء موازين قوى إقليمية وعالمية جديدة.

الكثير من الخبراء العسكريين أسهبوا في اليومين الأخيرين في شرح وتحليل مدى أهمية الهجوم الإيراني على إسرائيل وجدواه، وأسهبوا أيضا في رصد التوقعات بشأن رد فعل تل أبيب وحلفائها على ذلك، وبعضهم سخر من أشكال وطرق هذا الهجوم ومن كيفية توقفه أو وضع نهاية له، والعديدون أيضا أجمعوا على أن غاية طهران كانت أن تقول للكل: (أنا هنا)، ويجب أن يكون لي مكان في الحسابات الإقليمية الجارية بلورتها، ولكن أسئلة أخرى بقيت مطروحة تستدعي التمعن والبحث لها عن أجوبة مقنعة.

ومن هذه الأسئلة الجوهرية، ما يتصل مثلا بمأساة غزة جراء عربدة نظام نتيناهو وجرائمه.

هل الخطوة الإيرانية تخدم مصلحة غزة والقضية الفلسطينية؟ هذا سؤال مباشر وضروري في هذه المرحلة الحاسمة، وذلك لتفادي جر الكلام إلى بلادة العواطف والمشاعر والشعارات العقيمة.

من دون شك، لا أحد يمتلك ذرة عقل ومبدأ يستطيع أن يرفض لأي شعب حقه في مقاومة احتلال أرضه بالشكل الذي يرتضيه، ولكن كذلك لا أحد يستطيع اليوم غض بصره وعقله عن النظر إلى كون الخطوة الإيرانية قد تنجح فقط في فك عزلة نتيناهو وإعادة بناء الالتفاف حوله في الداخل الإسرائيلي، ومن طرف حلفائه الدوليين، ومن ثم لن يخدم هذا القضية الفلسطينية وصمود أهل غزة، وخصوصا بعد أن عادت القضية إلى واجهة الاهتمام الدولي، وتوسع التنديد الكوني بجرائم نتنياهو وجيشه.

لقد بقيت طهران دائما تبني لها محاور وولاءات داخل بعض بلدان المنطقة (فلسطين، لبنان، سوريا، العراق، اليمن)، وفي مناطق أخرى، وتدعم حركات وأحزاب بالتداريب والأموال والدعاية، ولكن لا أحد وجد لها دورا عمليا وملموسا لمصلحة الشعب الفلسطيني وأهل غزة خلال المأساة الأخيرة مثلا، ولم يكن هذا الدور قائما أيضا بالنسبة لشعوب المنطقة كلها، وحتى لما قررت ضرب إسرائيل بالمسيرات لم تستحضر لا رأي الفلسطينيين، بمن فيهم حلفاؤها، ولا تأثير الخطوة عليهم، وإنما منحت الأولوية فقط لحساباتها الإستراتيجية والنفسية الذاتية.

الدرس من هذا أن إيران تتكلم، في ذلك، مع أمريكا والصين وروسيا، وتبحث لها عن مكان في عالم القرن الواحد والعشرين، وتسعى للتعاطي معها كقوة إقليمية لها أتباع في عدد من بؤر التوتر بالشرق الأوسط، أما غزة والقضية الفلسطينية فحلها لن يكون سوى بأيدي الفلسطينيين أنفسهم، ومن خلال وحدة الفصائل الفلسطينية بلا محاور أو ولاءات خارجية، وعلى قاعدة برنامج مشترك وتوافقي يعتمد استقلالية القرار ووضوح النظر.

الهجوم الإيراني على إسرائيل جسد طلب طهران الموجه إلى القوى الدولية الكبرى من أجل إدراجها ضمن الخريطة الإقليمية الجديدة، وقد تأتي تطورات أخرى في القريب تعكس ما قد يحدث على هذا الصعيد من تحولات وتبدلات، وذلك في حال رأت العواصم العالمية مصلحتها الإستراتيجية في ذلك، ولهذا يجب متابعة تطور العلاقات مستقبلا بين إيران وواشنطن وموسكو وبكين من جهة، وبينها وبين تركيا ومصر من جهة ثانية، ومن ثنايا ذلك قد تبرز معالم التبدلات المتوقعة.

ومع الأسف، هذا السباق الإيراني من أجل المصلحة الإستراتيجية الذاتية لن يكون في مصلحة الفلسطينيين، بل ربما قد يساهم في صعوبة أوضاعهم في مواجهة العدو المتغطرس والمتطرف، والذي لا يزال يهدد باستهداف رفح.

الركض الإيراني من أجل الاصطفاف يبرز لنا نحن في المغرب، هنا والآن، ضرورة التركيز على مصالحنا الوطنية الأساسية وعدم التغاضي عنها أو إغفالها.

لدينا قضيتنا الوطنية الأولى، ولدينا ارتباطاتنا الإستراتيجية في إفريقيا وفي المتوسط وفي الأطلسي، ويجب تطوير حضور المملكة بهذه الدوائر كلها، وتمتين ديناميتنا الإستراتيجية، وذلك في انتظار أن يستعيد جيران الشرق عقلهم ويدركون مصلحتهم الحقيقية للانخراط في بناء نظام إقليمي مغاربي ينتصر للعمل المشترك والتنمية والوحدة والسلام.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Top