شيع الوسط الإعلامي الزميل رضا دليل، مدير نشر مجموعة: «TEL QUEL»، الذي فارق الحياة، وهو في ريعان شبابه، وذلك بعد معاناة مع المرض، وخلف رحيله أسى عميقا لدى أسرته وذويه وقرائه ووسط جسمنا المهني الوطني.
عرف الزميل رضا دليل بالجدية والرصانة والالتزام في كتاباته، وكانت افتتاحياته تبرز موقفا ورؤية واضحين، وأيضا بلغة مكرسة للمتعة والبلاغة والذكاء، ومن ثم نحن فقدنا اليوم قلما كان يواصل سيرة كبار الصحفيين والكتاب، ويضع أمامنا افتتاحياته الأسبوعية على طريق رواد المهنة والكتابة الكبار.
لم يكن رضا يكتب بلا موقف أو دون قناعات، ولكن انحيازه كان واضحا لمبادئه ورؤيته لقضايا البلاد والمجتمع.
أثناء تشييع زميلنا رضا، لاحظ الذين حضروا وجود شخصيات سياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية من توجهات مختلفة، لكن الكل كان يقدر حجم الخسارة، وأن مهنة الصحافة فقدت قلما جادا وواعيا ورصينا.
من يعرف رضا دليل، يعرف أولا تواضعه الكبير، ونبل السلوك لديه في كل علاقاته الإنسانية والمهنية مع الذين عملوا بمعيته أو الذين عرفوه، وعاش معرضا عن الأضواء وغير مقبل على المقدمات ولا يتسابق للبروز الفج في الصفوف الأولى.
في كل هذا درس مهني وسلوكي للشباب الذين يفدون على المهنة..
الجدية تثمر في النهاية…
ووسط تجليات التدني والإسفاف التي تلف اليوم مهنتنا وتكبل مسارات الصحافة المغربية، من المهم استعادة سيرة الراحل رضا دليل، ذلك أن خريج مؤسسة جامعية متميزة اختار الالتحاق بمهنة الصحافة بدل مهن ووظائف أخرى كانت متاحة أمامه، وأعطى الدليل على أن الصحافة تستطيع، كمهنة، جذب «بروفايلات» متميزة، وبإمكانهم أن ينجحوا فيها، وأن يضفوا على الصحافة صفات الرقي والتميز و… الجدية.
تجربة رضا دليل والشهادات التي نشرت في حقه تبرزان أنه بإمكان صحفيين مغاربة من الأجيال الحالية أن ينجحوا وأن يكتبوا صفحات رقي ونجاح للصحافة المغربية في الداخل والخارج.
الدرس هنا هو حاجتنا إلى النهوض بالمهنة وتجاوز اختلالاتها وأزماتها، وأن نكف عن التيه في حسابات أنانية وصغيرة جدا، وذلك لكي تستطيع الصحافة المغربية أن تمنحنا «بروفايلات» شبيهة للراحل رضا دليل.
الزميل رضا دليل لم ينشغل فقط بالكتابة الصحفية والمتابعات، أو بكتابة الافتتاحيات والتحليلات الرصينة، او إدارة الفريق المهني الذي كان يعمل معه وصناعة المحتويات والأشكال والصياغات، ولكنه، وبجانب ذلك، كان ينزوي مع ذاته للانشغال باهتماماته الأدبية، وأسفر ذلك عن إصدار ثلاثة مؤلفات، إحداها رواية تم تتويجها بجائزة رفيعة..
والدرس هنا أن الصحفي يحرص على التعلم دائما، ويبقى مرتبطا بالقراءة وتوسيع المدارك والمعارف إلى جانب عمله المهني اليومي، وهو ما يجب أن يتعلمه الصحفيون الشباب اليوم من سيرة الفقيد، أي الإصرار على الثقافة والفكر والأدب، قراءة ومتابعة وانشغالا، بموازاة مع تطوير الأداء المهني والتكوين المستمر.
الصحفي المثقف، هو عنوان السيرة وعنوان الدرس.
الراحل رضا دليل لم يحدد علاقاته في المهنة وصداقاته مع الزملاء بمختلف المنابر على أساس حسابات أنانية أو قطاعية او تنظيمية، ولكن العلاقات بقيت في مدارج البهاء الإنساني والطيبوبة، وأيضا من خلال الكتابات المنشورة والمواقف المعبر عنها، ومن ثم بقي المجال مشرعا ومحفزا على تبادل التنويه والقراءة والتقييم والمحبة.
وهذا بدوره درس آخر لمهنتنا، ذلك أن الضياع وسط الأشياء البسيطة لم تترك لنا اليوم فرصة القراءة الموضوعية لبعضنا البعض، ولم تمنحنا مجال الحوار الهادئ فيما بيننا، أو الاحتفاء بنجاحات بعضنا.
كم تحتاج مهنتنا اليوم لأمثال رضا دليل، وكم هو مفجع رحيله في هذه المرحلة بالذات، وكم هي بلادنا في حاجة إلى صحافة مغربية ذات مصداقية، وذات متانة مهنية، وذات جدية و… رؤية.
واسع الرحمة للزميل رضا دليل…
<محتات الرقاص [email protected]