أحواش إيمنتانوت: تفرد في إطار المشترك

1 المفهوم وإشكالية النشأة:

     يعتبر فن أحواش من أشهر وأقدم الرقصات في المغرب، بالتحديد في المناطق الممتدة بين إقليمي مراكش الحوز وسوس ماسة، ويصعب تحديد الحقبة الزمنية التي ينتمي لها هذا الطقس لعدم وجود تاريخ مكتوب وعدم تدوين أصل جذوره التاريخية، وهناك من يحدد هذه الحقبة بأنها راجعة للقرن التاسع عشر وآخرون يقرون بأن فن أحواش موروث شفهي لامادي منذ القدم ليكتسي بذلك دلالات رمزية تعبيرية، ويمارس هذا الطقس غالبا في أماكن مفتوحة.

         تختلف التعاريف المقدمة لأحواش بين من يربط التعريف باسم “المكان” وبين من يربطه بالممارسة “النظم والرقص”؛ كتب عبد الحفيظ قدوري: “اسم أحواش يأتي من حَوش بالعربية وأسراݣ في تشلحيت، أي الفناء المخصص للرقصات الجماعية المصحوبة بالموسيقى والغناء والاحتفال بجميع المناسبات المهمة في الحياة الاجتماعية. وهو فن يتكون من البناء الإيقاعي والرقص والشعر. وبشكل عام، عرض للرقصات والارتجالات الشعرية والإيقاعية والأغاني الفردية والجماعية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من الثقافة الشفوية لشلوح الأطلس الكبير والمتوسط ومنطقة سوس ماسة درعة”(1). 

  هذا التعريف يحاول أن يُعرف أحواش من خلال الجذر اللغوي العربي حَوْش/الفناء، لكن هناك فرقا بين الحوش وبين “أسراݣ” الذي هو فضاء داخلي و”أسايس” الذي هو فضاء خارجي و”أنرار” مكان الدرس، فأسايس أكثر طولا ومساحة وأسراݣ أكثر رمزية من “الحوش” لهذا نستبعد أن يكون أصل التسمية مرتبطا به، فحُوش تعني اُرقص، ونقول “اشحوشت أوصميد” أي أن البرد جعله يرقص/يرتجف.. ومن معاني أحواش “أموسو” أي الحركة. وبالتالي فقد يكون أصل تسمية أحواش بالإضافة إلى المكان هو فعل الرقصة باعتبارها مكونا جوهريا في هذا الفن.

    وأكثر العبارات ترددا/تكرارا عندما نتحدث عن أحواش ايمنتانوت هي “ريغ أداك انيغ يا ووال” بما معناه أريد أن أخبرك بكلام ما أو/لدي رسالة لك /أو أريد أن أحدثك في موضوع معين… فهناك من يعتبرها – هذه العبارة – هي القاعدة التي بني وتأسس عليها هذا الفن، فأحواش تأسس كمجال للنقاش والحديث وتبادل الرسائل، فالمجتمع الأمازيغي يعتمد على التدبير الجماعي في الحكم وتسيير شؤون القبيلة من سقي وجني وتحضير للمواسم.. والأمازيغ، إلى يومنا هذا، يعتمدون المرموز في الخطاب بدل الكلام المباشر، لهذا يستدلون بكلام الشاعر “أنا أو نظام قال الشاعر” للذود عن أفكارهم.

لهذا فأحواش ممارسة يومية قبل أن يكون طقسا فرجويا، والشعر الأمازيغي هو مخزن للقيم والأعراف المجتمعية يسترشد به الناس في الخلاف ويعززون به قولهم في النقاش، وليس كلاما يُلقى بشكل موسمي أو مناسباتي. هو انعكاس لمجتمع يعشق النظم ويدبر شؤون حكمه بشكل جماعي، لهذا كانت النتيجة رقصة تجمع النظم كمرجع قيمي والرقص الجماعي وإيقاعات طبيعية.

ومن أجل فهم “أحواش” بشكل دقيق علينا أن نتعرف على دلالات الفضاءات التي يمارس فيها، ويمكن تقسيمها، حسب ابراهيم أوبلا في كتابه “أمارك ن أوسايس”(2)، إلى قسمين:

  • فضاءات ثابتة مثل المواسم
  • فضاءات متحركة كأسايس وأونرار وأساراك

يمارس أحواش في عدة أماكن من بينها: فضاء “الحوش” وله دلالة مكانية حيث يرجع أصل التسمية للمكان الذي تتواجد فيه الدواب والدواجن وخصوصا في فصل الشتاء، ثم فضاء “أنرار” البيدر الذي يدل على مكان دراس الزرع، ولفظة “رار” تحيلنا على الشعر الحواري “ؤرار”، أي الغناء الجماعي الذي يقوم به العمال والعاملات أثناء فصل الزرع عن التبن أو ما يسمى “بتاماووشت” بين السؤال “أسقسي” والجواب “تارورت”.

 وفي نفس السياق هناك “أساراك”(3)  – فضاء داخلي – وله تعريفان: الأول هو مشابه لتعريف الحوش أي أنه مكان مخصص للدواجن، والثاني يدل على البهو أو فناء المنزل حسب معجم “مادغيس أومادي”، “أسايس”(4) –  فضاء خارجي – الذي هو الأقرب للتعبير الذي نبحث عنه من حيث ربطه بالفعل الممارساتي لأحواش، أوضح الكاتب أن مصطلح أسايس من خلال جذره اللغوي يحيل لأفعال متشابهة “إسا” “يوسي” “إسوس” أما فعليا فهو مكان يتوسط القرية ويكون قريبا ملاصقا للمسجد أي أن أسايس نال لدى الأمازيغ قسطه من القدسية التي تمنح لأمكنة العبادة.

بين هذا وذاك يبقى أسايس هو الاصطلاح الأقرب لفعل أحواش من حيث الدلالة الرمزية للمكان الذي يؤدى فيه بأدواته الأربع الكلمة والصوت والإيقاع والحركة

ولأن الثقافة الأمازيغية كغيرها من الثقافات العريقة ثقافة شفهية كما أسلفنا الذكر، فإنه يصعب علينا أن نمسك بسؤال الأصل والنشأة والتسمية لكن لا بأس أن نضع بعض الفرضيات المؤسسة لأحواش:

الفرضية الأولى:  إن نقل الرسائل كان مكشوفا بين القبائل خاصة في مرحلة الأزمات السياسية ومن أجل الحفاظ على سرية المواضيع تحول نقل الرسائل من الجانب الفردي وبشكل صريح إلى ممارسة جماعية في أحواش وعبر الشعر حماية للمعلومة المنقولة وتبادلا للآراء في قالب فرجوي يجمع الجد والمتعة.

الفرضية الثانية: أحواش نتاج ثقافي أمازيغي مرتبط بالأرض يتماهي فيه الفرد مع الطبيعة ومع ثقافته السائدة، لهذا نجد أن جميع الرقصات الأمازيغية رقصات جماعية رغم اختلاف الطريقة يبقى المبدأ والخيط الناظم مشتركا بينها.

الفرضية الثالثة: أحواش هو تعبير جماعي عن الفرحة ووسيلة لمناقشة مشاكل القبيلة وتبادل الآراء وتقديم الامتنان بعد جني المحصول أو زواج الأفراد أو الاحتفال…

 

2 الإيقاعات:

يتراوح عدد المشاركين في رقصة أحواش – ايمنتانوت – بين خمسة عشر وثلاثين فنانا. يرقصون لمدة تصل لخمسة وعشرين دقيقة. خلال هذه المدة يجتازون سبع مقامات، خمس للرجال ومقامان للنساء. ومجموع هذه المقامات يسمى “الطرح”. يسمى أحواش إيمنتانوت كذلك بـ “أحواش أوسݣا’ أي الجانب، لأنه يتكون من جانبين جانب الإناث وجانب الذكور، يتوسطهم ضابطي الإيقاع وعددهم لا يقل عن أربعة، بالإضافة إلى “أعلام” المايسترو ، ومرسول بين الراقصين والراقصات دوره إعادة ما قاله الشاعر من نظم.

وجود أربعة عازفين على الأقل ليس عرضا أو اختياريا لكن لأن لكل واحد منهم إيقاعا خاصا به، فرغم عزفهم على نفس الآلة “تالونت” وهي دف تقليدي مصنوع من الخشب وجلد الماعز فقد يتم إضافة وتر للبعض منها.

العازف الأول يصدر بآلته صوتا يسمى الهمز، والثاني “إس إدري”، والثالث “أسيف”، والرابع “أمديل”.

هذه الإيقاعات الأربع هي التي ستساهم في صنع لوتار ذي الأوتار الأربعة فيما بعد. من بين الراقصين شعراء يلقون الشعر متناولين مواضيع مختلفة حسب سياق المناسبة، لهذا قد يكون الشعر غزليا أو اجتماعيا أو سياسيا وفي بعض الأحيان دينيا ، وعندما يحتدم الصراع بين الشعراء أو يكون تباين في المواضيع يتدخل المايسترو “أعلام” ليعيد الأمور إلى نصابها.

“الطرح” هو الاسم الذي يُطلق على جولة أحواش، ويبدأ بـ

  • “تمزݣرت” أو المعبر وهو أول مقام في أحواش الهدف منه اختبار الراقصين والفنانين والعازفين، وسُمي بالمعبر لأنه كالنفق الذي يعبر منه ممارس أحواش قبل أن ينال شرعية البقاء في المجموعة أو يُحكم عليه بالمغادرة، فأحواش قبل أن يكون رقصا أو شعرا هو نظام دقيق على الفرد فيه أن يقوم بدوره حتى لا يُفسد العمل الجماعي للمجموعة بتحريف الإيقاع، أو تغيير اللحن، أو مخالفة الرقصة… يمكن أن نعتبر “تمزݣرت” بمثابة تجريب لعناصر المجموعة قبل البداية، كما يعتبر هذا الإيقاع هو الوحيد الذي يمكن عزفه أثناء مرافقة العروس إلى بيت زوجها، لهذا فطقس العبور الذي تجسده “تمزݣرت” أعمق من المرور من الهواية إلى الاحتراف في أحواش بل له دلالة إثنوغرافية بالمرور من العزوبية إلى الزواج، ومن بيت الأب إلى بيت الزوج… حتى اللباس الذي يرتديه العريس وهو ينتظر عروسه لا يختلف عن اللباس الذي يعتمره الفنان في أحواش، فكلاهما يرتدي نفس اللباس ويتسلح بـ “الكميت” الخنجر، إلا أن الرمزية تختلف، فالخنجر في أحواش هو أداة حربية يتسلح بها الراقص تحسبا لأي طارئ، بالإضافة إلى أنه يدل على المكانة الاعتبارية للشخص من خلال نوع الخنجر وزخرفته، أما بالنسبة للعريس فله إيحاء جنسي يرمز لقوامة الرجل. وقدرته على تخطي طقس العبور.
  • الإيقاع الثاني في أحواش يسمى “أوبريك” ويعتمد على التعبير الجسدي حيث ينحني الراقصون ويحركون أرجلهم اليمنى وهو إيقاع يقبل السرعة والبطء.
  • الإيقاع الثالث: “أثلثي”
  • الإيقاع الرابع:”بوتزا “..(
  • الإيقاع الخامس: “سين س وكال”
  • الإيقاع السادس: “بوطرشت” حيث يتم التصفيق إلى الأعلى ومن خصوصيات هذا الإيقاع أنه يمكن من خلاله إنهاء أحواش في عدم الرضى عن الأداء أو وجود عيب تخلل الرقصة.
  • الإيقاع السابع أسوس نتفرخين: حيث يقرع العازفون “تلونت” البندير والفتيات ترقصن على شكل وردة.

هذه الإيقاعات السبع هي المشكلة لكل جولة “طرح” من جولات أحواش ايمنتانوت، ويحتاج إنجازها إلى ما يقارب نصف ساعة، وكما أسلفنا سابقا فخمس إيقاعات منها للذكور وإيقاعان للإناث. أما عدد الجولات فهو غير محدد لأنه مرتبط بالمناسبات وقابلية الراقصين والمشاهدين في الاستمرار…

في المهرجانات يكون الوقت المخصص للمجموعات الغنائية ضيقا لهذا لا يتم احترام هذه المقامات ويتم التركيز بشكل كبير على الإيقاع السابع لأنه يعطي جمالية للركح ويجذب المتفرج العادي الذي لا يتذوق أحواش كشعر.

3 الأنواع:

ينقسم أحواش ايمنتانوت إلى قسمين:

نوع أول خاص بالكبار من الشعراء والراقصين والعازفين يمارسه علية القوم تجربة ومقاما وسنا. ونوع ثان يمارسه الشبان والشابات، حيث يمر الشاب من الحقل فيسمع زغاريد النسوة اللاتي يقطفن المحصول فيصدر صوتا جهوريا كجواب على صيحاتهن فتقوم إحدى الشابات بالتنسيق مع أحد الشباب حول زمكان اللقاء وحتى لا يتنصل أحدهم من وعده أو يتخلف عن الموعد يقدم الشاب خنجره كضمانة أو ما يعادله وفي المقابل تقدم الشابة أحد حليها لإثبات وتأكيد حضورها، في المساء يجمع الشاب أقرانه وتنسق الشابة مع مثيلاتها ويجتمعن في “أسايس” وهو فضاء فسيح في الهواء الطلق خاص بأحواش ويكون ملكا مشتركا لسكان القبيلة يحرصون على تنظيفه من الأحجار ورشه بالماء لتخفيف وطأة الغبار الذي تحدثه حركات الأرجل أثناء الرقص.

يصطف الراقصون الشباب والراقصات الحاضرات في الموعد المحدد في صفين متقابلين بعد أن أعاد كل منسق للآخر “حليه” لأنه وفى بوعده ولم يتخلف عن أحواش كما اُتُّفق على ذلك.

خلف الراقصين الشباب نجد الشيوخ والمتمرسين في هذا الفن يجلسون القرفصاء ويراقبون البراعم وهي تنمو ويشتد عودها، لكن أيضا بين الفينة والأخرى يلقون أبياتا شعرية يتلقفها الشباب ويرددونها ردا على أشعار النسوة، فالأمر أشبه بمبارزة شعرية بين الجنسين، ونظم الشعر ليس مقتصرا على الذكور بل هناك نسوة يتقن تذوق المعاني وحسن الرد واحترام الأوزان ويـُضرب لهن ألف حساب في أحواش، هذا النوع من الشعر ذو البعد السجالي يسمى “إزلان”. في هذا النوع من أحواش يتمرس الشباب ويمسكون بتلابيب هذا الفن قبل ارتقائهم إلى مرحلة الاحتراف وممارسة أحواش مع الكبار ليس سنا فقط بل ممارسة لأنه قد يحدث أن يكون من الشباب من استطاع منافسة الكبار ومقارعتهم في سن مبكرة.

4 اللباس:

أهم قطعة في لباس الراقص الفنان الذي يمتهن مهنة أحواش هي “الرزة” وهي ثوب طويل يُلف على الرأس بطريقة تقليدية يقدر طوله بثلاثة أمتار ونصف وهو نفس طول الكفن، يجب أن يشتريه من ماله الخاص يستعمل لتغطية الرأس في الحياة العادية وعندما يموت المرء يكون غطاء له، فتنقل المرء بين البراري في الماضي وتعرضه للمخاطر ومواجهته للأوبئة تجعل الموت المفاجئ أمرا واردا/عرضيا ومتكررا؛ ومن باب الاستعداد عليه أن يحمل كفنه فوق رأسه سترا فوق الأرض وتحتها لأنه لا يعلم كما جاء في القرآن “وما تدري نفس بأي أرض تموت”، بالإضافة إلى الرزة يرتدي الراقص “جلابة ” بيضاء تقليدية خيطت بيد خياط ماهر، وغالبا ما كان الفقهاء هم من يمتهنون خياطة الجلاليب، وتحت الجلباب سروال واسع يصل إلى أسفل الركبة بقليل ويغلق بياقة، يُكنى هذا النوع من السراويل بـ “القندريسي” ومن سماته أنه يترك حرية الحركة للراقص. وينتعل في رجله خفا جلديا مغربيا معروفا باسم “البلغة/ أدوكو” دون جوارب حتى لا تنزلق رجله  أثناء الرقص.

أما الراقصات فيرتدين القميص أو الدفينة وهو لباس طويل يمتد من النحر إلى الكعب، ويغطين رؤوسهن بمنديل أحمر يسمى ” لْقْضيب” ويلففن خصرهن بمئزر “ليزار” يغطي النصف السُفْلِي من الجسم، كان في الماضي عبارة عن قطعة ثوب تُلف باليد، وأصبح الآن يخاط بالآلة وتضاف له طبقات وتموجات تعطي جمالية للرقصة، فوق القضيب نجد “تاونزا”(5)، وهي تاج أمازيغي تزين به المرأة رأسها ويوضع فوق الجبين ويصنع من الفضة والمرجان، كما تزين عنقها بـ “تفيلت” وهو عقد مكون من قطع فضية شبيهة بقطع نقدية  متشابكة فيما بينها. تلعب هذه الحلي بالإضافة إلى الزينة دورا موسيقيا فعندما ترقص الراقصات تُسمع رنة صادرة عن حركة القطع الفضية واحتكاكها ببعضها البعض.

5 أحواش عنوان للمناصفة:

أحواش تعبير عن إنصاف المرأة وتقديرها، في أحواش ترقص النساء كما الرجال جنبا إلى جنب في ساحة واسعة، كلهم يشكلون صفا نصف دائري مقابلا للآخر، بحيث يتبادلون الأهازيج والأشعار حسب خصوصية المقام. يشترط في المرأة المشاركة في أحواش أن تكون عازبة، لهذا فمتوسط أعمار المشاركات في الماضي يكون أقل من عشرين سنة، وهذا الشرط يغيب عند الرجال ويتم تعويضه بشرط آخر عندما يتعلق الأمر بأحواش الذي ينظم في الأعراس وهو أن يكون المشارك متزوجا، هذا الشرط يجعل العلاقة بين الجنسين علاقة حماية ينتفي فيها التصور الجنسي أو الدوني للمرأة.. فصفة المتزوج تجعله أبا يحمي النسوة ويكون سندا لهن ويتماهى مع الرقصة بشكل روحاني بعيدا عن العائق المادي/الجنسي فيصبح الجسد مجرد وسيلة تجسد الوعي الجمعي الذي يسلك مسلك الشعر مسلكا له. لهذا يحق استثناءً أن يرقص الرجل وابنته في أحواش أو الأخ وأخته لكن يمنع منعا كليا أن يرقص الرجل وابنه… فوجود الأب أو الأخ تشجيع للبنت وإضفاء للشرعية على وجودها أما وجود الأب والابن هو سلوك معيب.

 

والفتاة بعد أن تتزوج يحق لها أن ترقص للمرة الأخيرة في أحواش قبل أن تلتحق ببيت زوجها، حيث ترتدي لباسا مغايرا لمثيلاتها معتمرة “توكايت” فوق رأسها و”إزار أبيض” يلفها وتتخلص من الحلي والمجوهرات التي كانت ترتديها في مرحلة العزوبية. إشراكها في أحواش هو تكريم لها وتوديع في نفس الوقت فتصبح رقصتها الأخيرة أشبه بطقس العبور من العزوبية إلى ما بعدها وطقس العبور يرادفه المقام الأول من مقامات أحواش وهو “تمزݣرت”

6 المناسبات التي يُقام فيها أحواش:

يرتبط أحواش بالمناسبات الجماعية والقبلية، فلا يصح الزواج في الماضي إلا على إيقاعه، ولا تكتمل العقيقة بدونه، ولا يحلو النظم إلا فيه، ولا يكون للقبيلة باع وصيت حسن إلا من خلاله، لهذا كان من أساسات الارتباط وعنوانا للفرحة وممارسة دائمة. ويمكن أن نقسم المناسبات التي يعزف فيها أحواش إلى ما يلي:

المناسبات الدينية:

المواسم الدينية: تُقام احتفالات دينية سنوية في مختلف أنحاء المغرب تكريماً للأولياء الصالحين. تُعزف موسيقى أحواش خلال هذه الاحتفالات لإضفاء جو من البهجة والروحانية.

الأعياد الدينية: مثل عيد الأضحى وعيد الفطر، تُعزف موسيقى أحواش في هذه الأعياد احتفالاً وبهجة.

المناسبات الاجتماعية:

الأعراس: تُعدّ موسيقى أحواش عنصرًا أساسيًا في احتفالات الزفاف المغربية، حيث تُضفي جوًا من البهجة والرقص على هذه المناسبة.

الحفلات: تُعزف موسيقى أحواش في مختلف أنواع الحفلات، مثل حفلات التخرج وحفلات أعياد الميلاد.

الختان: تُعزف موسيقى أحواش في احتفالات الختان لإضفاء جو من البهجة على هذه المناسبة.

المناسبات الوطنية:

الأعياد الوطنية: مثل عيد الاستقلال وعيد العرش، تُعزف موسيقى أحواش في هذه الأعياد احتفالاً بالوطنية.

الفعاليات الرياضية: تُعزف موسيقى أحواش في بعض الفعاليات الرياضية، مثل مباريات كرة القدم وافتتاح الملاعب.

بالإضافة إلى ما سبق ارتبط أحواش في الماضي بالأرض والفلاحة فعندما يكمل حصاد القمح وجني الجوز واللوز أو قطف الثمار تقوم القبلية بتنظيم احتفال على أنغام أحواش تعبيرا عن الفرحة بالمنتوج الوفير، من القيم الأمازيغية العريقة قيم “تويزي” وهي المساعدة الجماعية لأفراد القبيلة لبعضهم البعض في جميع مناحي الحياة الحرث، الحصاد، الزواج… في موسم الحصاد يعمل سكان القبيلة جماعة على جمع المحصول بالتناوب بدل أن يقطف كل شخص محصوله بمفرده وفي المساء يكلف الشخص الذي جُني محصوله بتنظيم وجبة عشاء يليها أحواش، وهكذا كان يستمر الاحتفال يوميا طيلة فصل الصيف.

7 أحواش و سؤال الاستمرارية:

التهديدات التي تواجه فن أحواش:

  1. العولمة:

* انتشار ثقافات عالمية موحدة قد تؤدي إلى إهمال الفنون المحلية مثل فن أحواش.

* سهولة الوصول إلى المحتوى العالمي عبر الإنترنت قد يقلل من اهتمام الجمهور بالفنون المحلية.

  1. التغيرات الاجتماعية:

* قلة الاهتمام من قبل الأجيال الجديدة بفن أحواش بسبب تغير اهتماماتهم.

* هجرة سكان المناطق الريفية إلى المدن، مما يؤدي إلى تقلص قاعدة جماهير فن أحواش.

  1. التغيرات الاقتصادية:

* قلة الدعم المالي من قبل الحكومات والمؤسسات للفنون المحلية مثل فن أحواش.

* صعوبة العيش من مهنة الفنان، مما قد يدفع الفنانين إلى ترك هذا المجال.

  1. قلة التوثيق:

* قلة الدراسات والبحوث التي تُعنى بفن أحواش وتاريخه.

* قلة الوثائق المرئية والمسموعة التي تحفظ هذا الفن للأجيال القادمة.

  1. قلة الوعي:

* قلة الوعي بأهمية فن أحواش لدى الجمهور العام.

* قلة الوعي بقيمة هذا الفن لدى صانعي القرار والمؤسسات الثقافية.

  1. التحديات السياسية:

* قد تؤدي بعض الأيديولوجيات السياسية إلى قمع بعض أشكال الفنون، بما في ذلك فن أحواش.

  1. التحديات البيئية:

* التغيرات المناخية قد تؤثر على البيئة الطبيعية التي نشأ فيها فن أحواش.

* قد تؤدي الكوارث الطبيعية إلى تدمير بعض المواقع التي تُقام فيها عروض فن أحواش.

  1. التحديات التكنولوجية:

* انتشار التكنولوجيا الحديثة قد يؤدي إلى إهمال الفنون التقليدية مثل فن أحواش.

* قد تؤدي بعض التكنولوجيات إلى تحريف أو تشويه هذا الفن.

  1. التحديات الثقافية:

* انتشار بعض الأفكار التي تُقلل من قيمة الفنون التقليدية.

* قد تؤدي بعض الممارسات الثقافية إلى تهميش بعض أشكال الفنون، بما في ذلك فن أحواش.

  1. التحديات القانونية:

* قلة القوانين التي تحمي الفنون التقليدية من الاستغلال.

* قد تؤدي بعض القوانين إلى تقييد حرية الفنانين في التعبير عن أنفسهم.

حلول لمواجهة هذه التهديدات:

  • دعم فن أحواش من قبل الحكومات والمؤسسات الثقافية.
  • نشر الوعي بأهمية هذا الفن لدى الجمهور العام.
  • توثيق فن أحواش من خلال الدراسات والبحوث والوثائق المرئية والمسموعة.
  • تشجيع الأجيال الجديدة على تعلم فن أحواش وممارسته.
  • إقامة فعاليات ومهرجانات تُعنى بفن أحواش.
  • دمج فن أحواش في المناهج التعليمية.
  • استخدام التكنولوجيا الحديثة للحفاظ على فن أحواش ونشره.
  • سن قوانين تحمي الفنون التقليدية من الاستغلال..

                                                                                                                                                         ***********************

الهوامش:

(1) ahwach dans tous ces genres, abdelhafid kaddouri. page 175

(2)   إبراهيم أوبلا، أمارك ن  ؤ سايس مقاربة انتروبولوجية لفنون ّأسايس الأمازيغية.

(3) “أساراك هو مكان يحدث فيه فعل رك، وغالبا ما تكون وظائف هذا المكان متعددة لدى سكان القرية وخصوصا في مناطق وجود اللوز والجوز والأركان حيث تخرج نساء الحي ليمارسن جماعيا كسر ثمار هذه الأشجار فيطلق آساراك على مكان كسر ثمار اللوز أو الأركان مثلا، ولكن يجب أن تعرف أن الفنان الذي يقوم بحركاته المعقدة على هذا المكان يمارس نوعا من الصدم على الأرض إذ تصطدم الأرجل بها…” إبراهيم أوبلا، أمارك ن ؤ سايس مقاربة انتروبولوجية لفنون ّأسايس الأمازيغية ص45 .

مصطلح “أسايس”

في اللغة الأمازيغية قاعدة عامة حول اسم المكان، هذه القاعدة التي تنص على أنه من أجل الحصول على اسم المكان من الفعل يكفي أن تدخل على جذره اللازمة “أسا”، فنقول في مكان السقي “أساݣم”، بحيث أننا أدخلنا تلك اللازمة على الجذر “أݣم” المأخوذ من فعل يوݣم، وفي لفظة أسايس تتضح هذه اللازمة، وما علينا إلا البحث عن الجذر الفعلي، هذا الجذر الذي يحيلنا على مجموعة من الأفعال المتشابهة من حيث المعنى أو المتقاربة أو المتباعدة كذلك، في البنية اللفظية وهي:

  • فعل، “نسّا” بمعنى افترش، وبالمقارنة بين مظهر أسايس في حالة الفراغ ومظهره في الحالة التي يكون فيها مملوءا بالرواد من الفنانين والجمهور، سوف تلاحظ أن واقع الحالة الثانية ينم عن حدث الافتراش حيث يتحول المكان من فضاء فارغ محصور بين الجدران – غالبا – إلى فضاء منمنم تزينه التركيبة البشرية والموشاة بالأزياء الجميلة والتي تتألف من هذا الجمهور من عشاق فنون أحواش وكذلك بصفوف الممارسين لأحواش…
  • فعل “يوسي” الذي يأتي بمعنيين، أولهما حقيقي وهو حمل أو أخذ أو حضن (يوسي آزان)، والثاني مجازي هو: صاح بالإنشاد، (يوسي تانضامت) به المعنى الأخير هو الأكثر لصوقا بأسايس ونجده مستعملا عادة لدى الفنانين في كل من مناطق سوس كتاكموت وطاطا وما جاورهما، لكن قد لا نستبعد حتى المعنى الأول، لأن حمولة أسايس وحضانته أثناء امتلائه بالرواد واضحة جلية، خاصة إذا عرفنا بأنه المكان الوحيد الذي يحتضن كل أبناء الحي أو القرية كلهم وفي لحمة واحدة في كل فرح أو مناسبة…
  • فعل “تسّوس” بتشديد السينين، وله معنيان: أولهما للدلالة على إزالة الغبار أو نحوه عن الثوب أو أي شيء آخر، والثاني هو: ختم الحوار الشعري. الرقص، ورغم أن المعنى الثاني هو الأكثر بروزاً في أسايس إلا أن المعنيين معا متقاربان مجازيا، فهذا المكان هو مكان لنفض الهموم والأكدار، وهو كذلك مكان يتم فيه الإنشاد لنفض الملل الذي يسببه الحوار الطويل عن الجمهور استعدادا لحوار آخر…

(4) فعل “تسيْيس، وله في أسايس معنى واحد وهو: ضرب الطارة بكيفية تجعل طنينها متميزا بين الطارات الأخرى وذلك بضربات تملأ الفجوات الإيقاعية للمساعدة على ضبط الإيقاع ضبطا جيدا، فيما يسمى بـ”تسييس”، ولا يمارس هذا النوع من الضرب إلا المتمرسون من الفنانين…

(5) تاونزا تاج أمازيغي، تاونزا هي قطعة من الحلي التقليدي الأمازيغي التي تُصنع من الفضة. تأتي تاونزا بأشكال وأحجام مختلفة، وغالباً ما تكون مزينة بالمرجان أو الأحجار الكريمة. تُرتدي تاونزا على الرأس، إما على الجبهة أو على الشعر.

 

أنواع تاونزا:

  • تاونزا الكبيرة: هي نوع من تاونزا التي تتميز بحجمها الكبير ووزنها الثقيل. غالباً ما تُرتدي تاونزا الكبيرة في المناسبات الخاصة مثل الأعراس والمواليد.
  • تاونزا الصغيرة: هي نوع من تاونزا التي تتميز بحجمها الصغير ووزنها الخفيف. غالباً ما تُرتدي تاونزا الصغيرة في الحياة اليومية.
  • تاونزا المزينة: هي نوع من تاونزا التي تكون مزينة بالمرجان أو الأحجار الكريمة. غالباً ما تُرتدي تاونزا المزينة في المناسبات الخاصة.

معنى تاونزا:

  • تُعتبر تاونزا رمزًا للجمال والأنوثة لدى النساء الأمازيغيات. كما تُعتقد تاونزا أن لها خصائص وقائية من الحسد والشر.

تاريخ تاونزا:

  • يُعتقد أن حلي تاونزا نشأت في منطقة سوس منذ مئات السنين. انتقلت هذه الحلي من جيل إلى جيل، وأصبحت الآن جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الأمازيغية.

أهمية تاونزنا:

  • تعتبر حلي تاونزا رمزًا للثقافة الأمازيغية، وهي جزء لا يتجزأ من المظهر التقليدي للمرأة الأمازيغية. تُستخدم هذه الحلي في العديد من المناسبات الاجتماعية مثل الأعراس والمواليد والاحتفالات الدينية.

دلالات الفضة عند الأمازيغ:

   الفضة لديها دلالة ميتولوجية لدى الأمازيغ، ولها رمزية خاصة في ثقافتهم. ومن أهمّ هذه الدلالات:

  • النقاء:

 

  • يُرمز لون الفضة الأبيض إلى النقاء والطهارة.
  • يُعتقد أنّ الفضة تُطهر الروح وتُبعد الشرّ.
  • الخصوبة:

 

  • تُعتبر الفضة رمزًا للخصوبة والحياة الجديدة.
  • تُرتدي النساء الأمازيغيات الحُليّ الفضية لتعزيز الخصوبة.
  • الحماية:

 

  • يُعتقد أنّ الفضة تَحمي من الحسد والشرّ.
  • تُستخدم الفضة في صناعة التمائم والتعويذات.
  • الجمال:

 

  • تُعدّ الفضة من أجمل المعادن، وتُستخدم لصناعة الحليّ والمجوهرات.
  • تُعتبر الفضة رمزًا للجمال الأنثوي.
  • الثروة:

 

  • تُعتبر الفضة من المعادن الثمينة، وتُستخدم كرمز للثروة والمكانة الاجتماعية.
  • الارتباط بالأرض:

 

  • يُعتقد أنّ الفضة مرتبطة بالأرض والشمس.
  • تُستخدم الفضة في صناعة بعض الأدوات كما توظف في الطقوس الدينية.
  • وما يؤكد الفرضيات السابقة هو أن الأمازيغ رغم أنهم امتلكوا الذهب واستعملوه في معاملاتهم التجارية كما جاء في رحلات حانون القرطاجي، إلا أنهم فضلوا الفضة، وعلاقة الأمازيغ بالحلي علاقة قديمة حيث وجد في مغارة الحمام الواقعة قرب بلدة تافوغالت في شمال المغرب الشرقي، على بعد حوالي 55 كلم شمال غرب مدينة وجدة على نحو عشرين من الصدفيات البحرية استعملها الإنسان قديما كحلي وتعتبر الأقدم في العالم حيث يعود تاريخها إلى 82 ألف سنة.

بقلم: أحمد فاضل النوري

Top