جسد خطاب جلالة الملك، لدى افتتاحه دورة أكتوبر البرلمانية، رسالة قوية وواضحة لأعضاء المؤسسة التشريعية، بضرورة الانكباب الجدي والعاجل على إصلاح حقيقي لمؤسستهم نفسها. منذ البداية، شدد جلالة الملك على أن افتتاح السنة التشريعية يأتي «في سياق مطبوع بإرادتنا الحازمة، لإعطاء دفعة قوية للدينامية الإصلاحية، الهادفة لاستكمال بناء النموذج التنموي المغربي المتميز…».
وانطلاقا من هذه الإرادة الملكية، رمى جلالته بسؤال، لم تكن خافية حمولته الانتقادية: إلى أي مدى ينهض البرلمان بدوره كاملا، كرافعة ديمقراطية لنموذجنا التنموي؟، لافتا إلى أن طموح الشعب المغربي، يظل هو الارتقاء بمجلسي النواب والمستشارين، مؤسسة وأعضاء، ليكونا في صلب الدينامية الإصلاحية المذكورة.
ووقف جلالة الملك عند حاجة البرلمان، إلى حكامة برلمانية جيدة، عمادها التشبع بثقافة سياسية جيدة، وممارسة نيابية ناجعة، قائمة على تعزيز حضور الأعضاء، وجودة أعمالهم، ومستوى إسهامهم، في معالجة الانشغالات الحقيقية للشعب، وهنا كان واضحا انتقاد جلالة الملك لاستمرار ظاهرة الغياب وسط البرلمانيين، بالإضافة إلى ضعف المستوى العام، وضعف جودة الأداء.
في السياق ذاته، دعا جلالة الملك كذلك إلى عقلنة الأداء النيابي، بالانطلاق من تجانس النظامين الداخليين لغرفتي البرلمان، والنهوض بدورهما، في انسجام وتكامل، كمؤسسة واحدة، ما يفيد، من جهة، ضرورة إعمال الإصلاحات الداخلية المطلوبة، ومن جهة ثانية، تأكيد مواصلة العمل بنظام الثنائية البرلمانية.
من جهة أخرى، لم يفت جلالة الملك التوجه إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية معا، بضرورة ترسيخ علاقات التعاون الايجابي بينهما، (وبين أغلبية متضامنة ومعارضة بناءة)، وذلك في نطاق الاحترام المتبادل، والالتزام المشترك بأحكام الدستور، وبالقيم الديمقراطية، وحرمة المؤسسات، والمصالح العليا للوطن.
وهنا أيضا الرسالة واضحة، والإحالة أوضح، وتتعلق بمختلف تجليات العبث التي تخترق ممارستنا البرلمانية والانتخابية، مثل: ظاهرة الترحال التي لا تترك أي معنى للمعارضة أو للأغلبية، ثم ضعف المستوى التشريعي والرقابي لبرلماننا، والأجواء التي تمر فيها جلسات الأسئلة الشفوية، وصورة البرلمان والبرلمانيين لدى المواطنين، وبالتالي انعكاس ذلك على مستوى اهتمام المغاربة بالشأن السياسي والانتخابي لبلادهم.
جلالة الملك يحث إذن على الانكباب على ورش إصلاح البرلمان، وتأهيل عمل البرلمانيين، وهو ليس ورشا ثانويا، إنما من ضرورات إنجاح الرهانات الديمقراطية والتحديثية والتنموية لبلادنا.