بعد ثلاث سنوات من انفجار مرفأ بيروت الذي فاقم مرضه وجعله عاجزا عن الحركة بمفرده، يجد داني سلامة نفسه اليوم متروكا لمصيره، بعدما تخلت الدولة حتى عن توفير الرعاية الصحية له، على غرار مصابين كثر في الكارثة.
ويقول سلامة (39 عاما ) لوكالة فرانس برس “بعد الرابع من غشت، نسيتنا الدولة، نسيت المصابين”.
ويضيف “خسرت سيارتي وبيتي وعملي وحركتي، لم يتبق شيء لي. ولم ينظر أحد في حالنا”.
ودفعه عصف الانفجار أمتارا عدة بينما كان يجلس على شرفة منزله في حي مار مخايل المواجه للمرفأ، ما فاقم وضعه الصحي سوءا مع معاناته منذ عام 2015 من مرض التصلب اللويحي المتعدد.
ومنذ الانفجار، بات سلامة عاجزا عن المشي بلا جهاز مساعدة. ويحتاج شهريا إلى دواء بقيمة 140 دولارا، وإلى حقنة بقيمة ألف دولار لمرتين سنويا، لا يقوى على تحمل كلفتها.
كما يحتاج إلى تدخل جراحي في المسالك البولية تصل كلفته إلى عشرة آلاف دولار.
ويؤكد سلامة الذي أدى انقطاعه عن تناول دواء يحس ن من قدرته على المشي جراء كلفته الباهظة إلى تعثره وجرح رأسه الشهر الماضي، أن أيا من الجهات الرسمية لم تمد له يد العون.
وعلى غرار مصابين آخرين، يشكو من إحجام الدولة عن تقديم أي رعاية أو دعم مالي أو حتى السير قدما في التحقيق بعد ثلاث سنوات من وقوع الكارثة.
وفاقم الانفجار أساسا الأزمة الاقتصادية التي كانت ملامحها قد بدأت قبل نحو عام من وقوعه وتسارعت خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وباتت الدولة معها عاجزة عن توفير أبسط الخدمات، بما فيها الرعاية الصحية والاستشفاء، في وقت بات ثمانون في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر.
ويوضح سلامة “أنا من المنسيين، لكنني لست الوحيد. هناك كثر غيري”.
وتسبب الانفجار بمقتل أكثر من 220 شخصا وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، وألحق دمارا واسعا بالمرفأ وبعدد من أحياء العاصمة. وحرم مؤسسات وأفرادا من أملاكهم ومصادر رزقهم.
ومن بين هؤلاء أماندا شري (40 عاما) التي خسرت عملها كخبيرة تجميل، بعدما تسببت إصابتها جراء الانفجار بشلل في يدها اليسرى وخسارة الرؤية في عينها اليمنى.
وتقول بحسرة لفرانس برس “انتهت حياتي هنا. أحدهم سرق حياتي في خمس دقائق ولم أعرف من هو”.
وتضيف من على سطح مبنى حيث كانت تعمل يشرف على المرفأ “ها أنا بعد ثلاث سنوات، في الموقع نفسه وكأن شيئا لم يكن. الناس كلهم نسوا، وبت أنا المجروحة أصنف من ذوي الإعاقة”.
لا تتوفر لدى الجهات الرسمية أي إحصاءات لذوي الإعاقة جراء الانفجار، وفق ما توضح رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيا سيلفانا اللقيس، بينما أحصت منظمتها بين 800 وألف شخص يعانون من إعاقات مؤقتة أو دائمة.
وتقول لفرانس برس “من حق من أصبحوا معوقين، أن يتم توفير دعم لهم مدى الحياة، عبر تعويض يسمح لهم العيش بكرامة واستقلالية كما كانوا قبل الانفجار”.
وتوفي أربعة على الأقل من المصابين بإعاقات جراء الانفجار، وفق اللقيس، خلال العام الفائت لعجزهم عن توفير العلاج وتلقي الرعاية اللازمة.
وتضيف “لم يقتلهم الانفجار، لكن دولتهم قتلتهم”.
بالكاد يقوى مخايل يونان (52 عاما) اليوم على السير حتى يتمكن من توفير لقمة عيشه عبر إيصال قوارير الغاز إلى الزبائن.
أثناء وقوع الانفجار، ارتطم يونان بعائق حديدي في الشارع، ما أعاق قدرته على الحركة بشكل سليم.
ويقول “لو ساعدتني الدولة اللبنانية لتمكنت من عيش حياة طبيعية”، بينما “أصبحنا أنا والألم أصدقاء اليوم”.
ويحتاج الرجل اليوم إلى ركبة اصطناعية تساعده على المشي، لكن كلفتها تفوق إمكانياته، بعدما تقلص مدخوله بسبب عجزه عن حمل قوارير الغاز إلى الطوابق المرتفعة في ظل ساعات تقنين طويلة تحول دون تشغيل المصاعد.
لا يأمل يونان في بلوغ العدالة، في بلد يقوم نظامه السياسي على منطق المحاصصة الطائفية، وتسود فيه ثقافة الإفلات من العقاب منذ عقود، وتعطل التدخلات السياسية عمل المؤسسات الدستورية والقضائية.
ونجم الانفجار، وفق السلطات، عن تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية، إثر اندلاع حريق لم تعرف أسبابه.
وتبين لاحقا أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكنا .
ومنذ ذلك الحين، دخل ملف التحقيق في غياهب النسيان، وابتعد بيطار عن أروقة قصر العدل.
ويقول يونان “لا أمل لدي. في كل مرة يتحرك فيها دولاب العدالة، ثمة من يضع العصي لكسره”.
بحسرة، يعود يونان إلى العام 1975، حين خطف والده لمدة شهرين إثر اندلاع حرب أهلية استمرت 15 عاما ، عاد بعدها فاقدا بصره من شدة الضرب.
ويوضح “حصلت الحادثة على بعد أمتار من حاجز أمني” ولم تعرف هوية الخاطفين. وتابع “مرت الأيام وما زالت المافيا ذاتها تحكمنا”.