تلفزيون المغاربة

المؤشرات التي أوردتها شركة «ماروك ميتري» لقياس نسب مشاهدة القنوات الوطنية في بيانها الأخير لم تكن خالية من بعض النقاط اللافتة، والتي تستدعي التأمل، بالرغم من كل ما يثار من جدل بين الفينة والأخرى حول مستوى القياس المعتمد نفسه وتقنياته… لقد احتلت المسلسلات الأجنبية المدبلجة (إلى الدارجة أو إلى اللهجة السورية) المراتب الثلاثة الأولى بالنسبة للقناة الثانية، وعندما نعرف أن الرتبة الرابعة كانت من نصيب شريط مغربي، وتلاه برنامج «تحقيق»، ثم «الخيط الأبيض»، يمكن أن نطرح هنا للتفكير موضوع اللغة، حيث يبدو أن المغاربة يقبلون على الأعمال المقدمة بالدارجة، أي بلغتهم الأولى، علاوة على تفضيلهم للمواضيع الاجتماعية، أي تلك المرتبطة بواقعهم المحلي، وبقضايا المعيش اليومي، وبتعبير مختصر المغاربة يريدون تلفزيونا قريبا منهم، ينقل انشغالاتهم ويتكلم بلغتهم، وهذه رسالة جوهرية يوجهها الجمهور للقائمين على شأننا التلفزيوني الوطني.
وعندما نستعرض الترتيب المتعلق بالقناة الأولى، نرى أن برنامج «مداولة» يحتل المرتبة الأولى، وتليه نشرات الأخبار التي تقدمها الزميلة نادية المودن، ثم مسلسل «من دار لدار»، وهنا أيضا مطلب اللغة قائم، بالإضافة إلى مواضيع القرب، وأيضا جودة تقديم الأخبار ورزانة الأداء على الشاشة.
صحيح، أن المسلسلات المد بلجة، خصوصا التركية والمكسيكية، تستقطب فئات من الجمهور بسبب جماليات الديكورات والمناظر الخارجية، وجاذبية التفاصيل الحكائية في القصص الاجتماعية، وهي بدورها ركائز جذب يمكن لفنانينا استثمارها مغربيا لإبداع أعمال وطنية جميلة، ولكن عندما نتأمل في الإقبال المهم الذي حضيت به أشرطة تلفزيونية مغربية لدى المشاهدين المغاربة، وأيضا أغاني وطنية مغربية، ثم النسب المهمة التي حققتها «الأمازيغية» و»المغربية»، فإن كل هذا يؤكد الطلب الملح للمغاربة القاضي بامتلاك تلفزيون يشبههم، ويتكلم بلغتهم، ويعكس صورتهم، وهذا الطلب لا يخلو أيضا من رسالة إلى منتجينا وكتابنا ومخرجينا وصناع  الفرجة التلفزيونية عندنا.
من جهة ثانية، إن الرتب المتدنية التي جاءت فيها برامج النقاش السياسي التي تبثها القناتان، لا تعني تبرم الجمهور من هذه النوعية من البرامج، بقدر ما يعني ذلك إلحاحه على الجودة.
المغاربة يتابعون نشرات الأخبار، ويجلسون، في ساعات الذروة، أمام قناتيهم الوطنيتين، ويقبلون على الانتاجات التي تتكلم بدارجتهم الجميلة، ويتابعون أخبار السياسة وبرامجها في فضائيات عربية وأوروبية، كل هذا يلخص رسالة إلى مسؤولي التلفزيون: قدموا برامج وتحقيقات عن قضايا سياسية واجتماعية بجودة مهنية عالية، واصنعوا حوارات سياسية جاذبة، وحينها سيقبل عليها الجمهور.
السنة الجديدة تمثل فرصة لينتفض تلفزيوننا، وليعيد إليه جمهوره المحلي، وليكون له دور في الإعداد لتطوير السياسة عندنا، ولإنماء الوعي، وتعزيز ديناميات الإصلاح والحداثة.

Top