مثلت المنظمات الشبابية خلال عقود طويلة مدرسة حقيقية للتكوين السياسي، ولصقل الخبرات والمهارات وإعداد أطر حزبية وسياسية وطنية، وتحفظ ذاكرة العديد من مسؤولي أحزابنا الوطنية والديمقراطية، وضمنهم وزراء ومسؤولون في الدولة جميل صنع شخصياتهم لهذه المنظمات. واليوم عندما يلفنا النفور والعزوف عن السياسة، وتصير السياسة مقترنة بالعبث والترحال وبالجهل، وبدل أن نستدعي نضالية منظمات الشباب، ونستلهم رصيدها وتجاربها، تعمد وزارة الشباب والرياضة إلى تمتيع كيان نفخ فيه مؤخرا بكل ما هو معهود في قصيري النظر من رعونة، بمنحة مالية تزيد ب25 مرة عن المليونين من السنتيمات التي تتلقاها منظمات شبابية حقيقية يزيد عمرها عن أربعة عقود، ولا تمتلك سوى تطوع مناضليها.
سلوك وزارة الشباب لا يمكن وصفه إلا بالفاقد للذكاء وللذوق.
إن المنظمات التي لا تدعمها الدولة إلا بمليونين في السنة، هي نفسها التي صنعت الحدث في جنوب إفريقيا دفاعا عن الوحدة الترابية للمملكة، وبدل أن تعبئ الوزارة المسؤولة عن القطاع كل إمكانياتها لتقيم استقبال الأبطال لهؤلاء المناضلين الوطنيين، بعثت لهم بمجرد أن وطأت أقدامهم أرض الوطن رسالة كلها إجحاف ونكران.
القرار…غلط، والأسلوب…غلط، والمعنى…غلط.
كان سيكون مفهوما لو وضعت الوزارة منظومة معايير واضحة ومتفق عليها لاستحقاق الدعم العمومي، وأشاعتها بين كل المنظمات حتى يتنافس بشأنها المتنافسون.
كنا سنصفق لوزارة الشباب والرياضة وللواقف على رأسها لو دعا هذه المنظمات الشبابية وأنصت إليها كي يتعرف على إكراهاتها ومشاكلها وبعد ذلك يقوم فورا بتفعيل إجراءات حل المشاكل وتعزيز الدعم المادي والتقني لهذه المنظمات.
من حق كل مغربي ومغربية تأسيس منظمات وجمعيات، لكن ليس من مصلحة بلادنا اليوم أن نعيد إنتاج جمعيات السهول والجبال والوديان، من خلال تسميات مختلفة وهياكل تتوهم الجدة.
إن هيئات مدنية مثل المنظمات الشبابية، خصوصا الحركة الشبابية الديمقراطية والتقدمية، بكل ما لها من رصيد كبير في الدفاع عن القضايا الوطنية والديمقراطية، خصوصا خارج المغرب، وأمام ما هو مطلوب منها اليوم على الصعيد ذاته، كان على وزير القطاع، وعلى الحكومة برمتها الإقدام على الرفع من القيمة البئيسة للمنحة السنوية المخصصة لها، وليس ممارسة تمييز بدائي تكون هي ضحيته…
إن من واجب الجميع الغيرة على هذه البلاد، والخوف عليها وعلى مستقبلها، وألا نبقى في كل مرة عرضة لمن يجرب فينا أغلاطه…
وإن البلاد كلها اليوم في حاجة إلى الشباب وإلى انخراطه في العمل السياسي، وهذا لا يتم بواسطة المقدمين أو «الشناقة» و»التريتورات»، إنما بواسطة الأحزاب، وبواسطة المنظمات الشبابية، والسعي إلى قتل هذه الأخيرة اليوم هو لعب بالنار، وإصرار على سوق بلدنا وشعبنا إلى…الجنون.