حرائق التبسيطية

ما يجري في تونس، عرى كثير أصنام ورفع الحجاب ليكشف لنا كم هي مرعبة بعض التبسيطيات التي يتناول بها بعض (الكتاب والمحللين) شأننا الوطني والمغاربي.
العدد الأخير من الأسبوعية الفرنسية «لونوفيل أوبسيرفاتور» تقيأ علينا عنوانا هائجا: «في المغرب: الثورة ستكون دموية»، وهو يوجز ما صرح به زميلنا بوبكر الجامعي لأسبوعية الشيخ جون دانييل وابنة أبيها سارة .
المشكلة هنا ليست في حرية إبداء الرأي، حتى ولو كان يتربع وسط… الجنون، إنما  التيه هو عندما يصر البعض على تحليل السياسة بلا سياسة، وعندما تتحول الذاتية المتشنجة إلى منطلقات للتحليل، وعندما تكون منهجية صياغة الموقف مجرد أحكام قيمة لا تخلو من خفة ونزقية طفولية، وعندما يبنى «التحليل» برمته على رؤية كاريكاتورية لأوضاع البلد الاقتصادية والاجتماعية، وعلى توزيع الاتهامات في اتجاه واحد، وإعداد المحاضر وصكوك الاتهام، وفي الخلاصة توزيع الرعب على الكل، بأن الدم والحرائق في الطريق لا محالة، ما دامت العقول الصغيرة شاءت ذلك أو حلمت به.
إن أحداث تونس جعلتنا كلنا أمام الاختبار فعلا، لكن للمغرب، كما لبلدان أخرى، دينامياته الخاصة وشروطه التاريخية، وبالتالي فلا مجال هنا  للاستنساخ.
في تونس قتل النظام السياسة وجعلها ماسخة، ونستغرب حقا لمن استيقظ ووجد نفسه يهددنا كلنا بالسيناريو التونسي، كيف يسعى هو ذاته لقتل الأحزاب ومسخ السياسة، وصنع ما يسميه «صمامات طناجر الضغط» كما يتخيلها عقله التبسيطي حصريا.
في تونس أغلق بنعلي كل فضاءات التعبير وآليات الوساطة، وعندنا في المغرب يعمد بعض مناضلي الساعة الخامسة والعشرين إلى الابتعاد عن الوطن، ومراكمة الثروات والخزائن هناك حيث لا توجد «الفوارق الاجتماعية والاقتصادية»، وجني فوائد «البيزنس»، يستوون على الأرائك ويصوبون في اتجاهنا كلنا بقذائف التهديد بثورات أكثر دموية، وبالشعبويات…
فعلا التبسيطية تقتل…
الأولى اليوم أن نتمنى لشعب تونس الشقيق أن ينجح في الخروج من مأزق… الشارع، وينكب على بناء المؤسسات ودولة القانون، والخروج من… التلفزيون.
الأجدى اليوم، مغربيا، أن نعتبر ما تشهده تونس مناسبة لتسريع وتيرة الإصلاحات السياسية، وفتح أفق جديد لانتقالنا الديمقراطي.
الأجدى أيضا أن نقتنع كلنا بخطورة السيناريو القائم على قتل الأحزاب، وعلى مسخ السياسة، وهو السيناريو الذي يعمل لفائدته العديدون وربما من مواقع مختلفة.
الأجدى ثالثا أن نستحضر ما يميز بلادنا من مكاسب وخصوصيات، ونحرص على تقويتها، وننكب على تقويم كل الهشاشات المعروفة…
الأجدى أن نبتعد عن نظر صغار العقول، لأن فيها تنام الحرائق التي لا نتمناها لوطننا ولشعبنا.

Top