أساتذة وفاعلون يؤكدون على ضعف الصناعة السينمائية بالمغرب

أجمع عدد من الأساتذة والمختصين في السينما أن النموذج المغربي في تدبير قطاع السينما والفن السابع غير ناجح وغير فعال، ويعرف مجموعة من النقائص والإشكالات التي تجعله يبقى بعيدا عن التجارب الرائدة في هذا الميدان.
وأورد المتدخلون في الندوة التي نظمتها جهة الرباط سلا القنيطرة في رواقها ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب والنشر أن المغرب لم يصل بعد إلى الصناعة السينمائية بمفهومها الحقيقي وباعتبارها صناعة قوية مساهمة في النهوض بالاقتصاد وجلب الاستثمارات والمساهمة في التنمية.
اللقاء الذي تمحور حول “الصناعة السينمائية.. أية آفاق” والذي أدارته الأستاذة مجدولين العلمي، هم الوقوف عند مجموعة من النماذج العالمية في دعم السينما وتطويرها لترقى إلى صناعة حقيقية مساهمة في نمو الاقتصاد.
في هذا السياق، شخص الأكاديمي والمخرج عبد الرحمان التازي وضعية السينما بالمغرب والتي قال إنها لا ترقى إلى المستوى المطلوبذ، وتعرف مجموعة من الأعطاب على مستويات عدة.
وأضاف التازي أن هناك نماذج عالمية رائدة في السينما كالولايات المتحدة الأمريكية التي تعد بها السينما صناعة حقيقية تحقق نمو اقتصادي كبير وتلعب أدوارا كبرى في التشغيل والإنتاج وضخ الاستثمارات، فضلا عن كونها تحظى بصدى في مختلف دول العالم من خلال قوتها وقوة التسويق وقوة الانتاجات كما وكيفا.
ولفت التازي إلى أن السينما ثقافة وتربية تتطلب بناء حقيقي وتتطلب التنشئة عليها والاستثمار فيها لجعلها رافعة تنموية واقتصادية كما هو الحال بالنسبة للنماذج السينمائية الناجحة في العالم.
بدروه، توقف الأستاذ عز العرب العلوي الباحث والمخرج السينمائي عند مشاكل مختلفة تعرفها السينما المغربية وعلى رأسها غياب الاهتمام والرؤية الاستراتيجية والمواكبة للإبداعات والإنتاجات الوطنية.
ولفت عز العرب العلوي إلى جملة من المشاكل التي تبقي السينما المغربية بدون تطور، والتي تكمن بالأساس في عدم وضع تصور وطني واضح وشفاف وجريء. مشيرا إلى أن هناك رؤية لدعم الجهات للإنتاجات السينمائية في الوقت الذي لا تضع هذه الجهات سطرا واحدا ضمن ميزانية يفتح بموجبه اعتماد مالي لدعم الانتاجات والأفلام السينمائية.
واستغرب عز العرب العلوي للمفارقات في النصوص القانونية التي تنص على دعم السينما والابداع الوطني وبين الممارسة التي تبرز أن هذا الدعم حبر على ورق كما هو حال مجالس الجهات مع دعم الانتاجات، مشيرا إلى أن هناك مجالس جهوية عديدة يعاني معها المنتجون السينمائيون والمخرجون من أجل الحصول على دعم فيلم بالجهة بحجج مختلفة، والتي قال إن المسؤولين يروجونها والتي تصب كلها في كون الميزانية لا تكفي وبأن السينما ليست من الأولويات وليس من الأساسيات التي تهم المواطنات والمواطنين.
ودعا عز العرب الباحث السينمائي إلى إعادة النظر في هذه العقليات وإعادة النظر في النموذج السينمائي المغربي برمته والوقوف عند مكامن الخلل على مستوى القوانين وعلى مستوى العقليات، وترسيخ أفكار جديدة تبرز أهمية الصناعة السينمائية وأهمية تقويتها ودعمها من أجل أن تكون جاذبة للاستثمار ومساهمة في التنمية والنهضة الاقتصادية.
بدوره عاد الأكاديمي والمخرج عبد الإله الجوهري للتأكيد على أن المغرب بعيد عن صناعة سينمائية حقيقية.
وقال الجوهري إنه من الصعب الحديث عن صناعة حقيقية أو مقارنة النموذج المغربي مع أي نموذج آخر لكون النموذج المغربي قائم على التراث الشفهي. فضلا عن كونه غير مهيكل بطريقة صحيحة.
في هذا الصدد، أبرز الجوهري أن الاستثمار في أمريكا مفتوح في وجه الجميع باستثناء قطاعين وهما السلاح والسينما بهوليود، معتبرا أن هذا النموذج يبقى الأقوى عالميا لأنه يحرص بشكل كبير جدا على صناعة سينمائية حقيقة باستثمارات ضخمة في الكم والكيف وفي التوجيه من خلال جعله قطاع استراتيجي وذو تأثير ليس على المستوى المحلي أو الوطني هناك بل على المستوى العالمي عموما.
وحول الانتاجات المغربية، أوضح الجوهري أنها تبقى ضعيفة من حيث الصناعة وتحقيق الأرقام، لافتا في هذا الصدد إلى أن المغرب لا يتجاوز عدد المشاهدين فيه للسينما مليون مشاهد في السنة لجميع الانتاجات، في الوقت الذي تحقق أمريكا ودول أخرى أرقاما ضخمة في العمل الواحد فقط.
وخلص المتحدث إلى أنه لا يمكن بلورة سياسة ناجعة للنهوض بالسينما بدون إرادة في الإصلاح وبدون رؤية واستراتيجية تعتمد على التكوين جيد في الميدان وعلى استثمار حقيقي وفهم لهذه الصناعة.
من جهته، قدم الراضي بدر الدين الكاتب العام لجمعية الرباط للثقافة والفنون والمدير السابق لمكتب حقوق المؤلف ثلاث نماذج للصناعة السينمائية وهي النموذج الأمريكي والنموذج الفرنسي ثم النموذج الوطني المغربي.
أولى النماذج حسب الراضي هو النموذج الأمريكي الذي قال إنه بدأ منذ عقود، ويرجع فيه الفضل إلى القانون الذي ظهر في 1930 قانون هايتس والمبادئ الأخلاقية الذي نص على حماية السينما الأمريكية من جميع انواع الرقابة. وكذا التعويل على القطاع الخاص وإشراكه في مسار الإنتاج وتشجيع مساهمته في تطوير السينما.
وبالنسبة للنموذج الثاني هو النموذج الفرنسي الذي قال إنه يعود ل1940 مع إنشاء اللجنة المنظمة للصناعة السينمائية والتي خطت خطوات جبارة من خلال اعتماد التكوين في المجال والشروع في التمويل مع حكومة “فيشي”.
وأوضح بدر الدين أن دعم السينما في فرنسا يصل إلى 914 مليون أورو يقابله إنتاج عدد أفلام كبير، حيث جرى في 2022 إنتاج 2800 فيلم.
فيما يضيف المتحدث أن النموذج المغربي استنبط الخبرة عن النموذج الفرنسي، حيث أن أول إطار قانوني جاء في 1944 مع تأسيس المركز السينمائي المغربي.
هذا المركز أوضح الراضي أنه قدم دعما لانتاجات فنية وصل أقصاها منذ تأسيسه إلى 18 مليون درهم في 2022، فيما لم يتم تجاوز 32 مشروع فيلم طويل في نفس السنة.
كما كشف الراضي أنه لم يتم تجاوز عتبة 400 فليم منذ تأسيس المركز السينمائي المغربي في اربعينيات القرن الماضي إلى اليوم مبرزا أن المغرب بعيد عن نموذج اقتصادي حقيقي في ظل التحديات الحالية والبنية التي يشتغل فيها والتي تحتاج إلى إعادة نظر.

محمد توفيق أمزيان

Top