مساءلة المهنة

من ضمن الركام الهائل من الكتابات والتحاليل المتابعة للحدث التونسي، شد انتباهي مقال كتبه الإعلامي التونسي رضا النجار، وترجمه الزميل لحسن العسبي على صفحات «الاتحاد الاشتراكي»، وتضمن دعوة الزميل التونسي الصحفيين في بلاده وكل مسؤولي وسائل الإعلام إلى الاعتذار «لشعبنا عن مشاركتنا في مؤامرة الصمت، وأيضا الرقابة الذاتية التي بقينا سجناء لها، وكل العي الذي طوقنا…».
ليس القصد هنا استعراض الواقع الإعلامي في الشقيقة تونس، أو إعادة لوك الكلام عن المعاناة التي رزحت تحتها المهنة هناك، إنما المراد التقاط الإشارة وخلفية الدلالة، للانتباه إلى دور الصحافة والإعلام وخطورة هذا الدور، وحاجة المهنة، عندنا أيضا، لمساءلة ذاتها عن علاقتها بقضايا المجتمع الكبرى، وبقضايا الوطن.
الجميع اليوم يتحدث في المغرب عن لجوء بعض صحافتنا إلى بث الإشاعات، وإلى ترويج الأخبار المخدومة بغاية تصفية الحساب بين هذه الجهة وتلك، والكل يتابع اليوم كيف يعم الاستسهال مشهدنا الصحفي، وكيف تتربع كثير انتهاكات لأخلاقيات المهنة وسط صفحات جرائدنا، وكثيرون يتساءلون عن المآل وعن نتيجة كل هذا الذي يجري أو …يكتب .
فعلا، لم تعد صحيفة المنبر والخطبة السياسية الحزبية مقبولة لدى الجمهور، لكننا بتنا اليوم أمام منتوج يفترض أن يكون إخباريا وفق قواعد المهنة المعروفة، لكنه في واقع الأمر خطبة وكلام منبري بلبوس جديد، يخلو من الجدية الوطنية والنضالية التي كانت، مع ذلك، تميز كتابات سابقينا.
إن إعلامنا الوطني  بقدر ما هو اليوم في حاجة إلى بنيان قانوني ومؤسساتي متين ومتطور، وبقدر ما هو في حاجة إلى تنظيم مقاولاتي ومقدرة مالية، فإنه كذلك في حاجة إلى وضوح الرؤى في العلاقة مع القضايا الوطنية والمجتمعية الكبرى، اعتبارا لمحورية دور الإعلام في مسلسلات الدمقرطة والتحديث وإنماء الوعي.
في عالم اليوم، بكل تعقيداته وتحدياته، صار الإعلام، كما عبر عن ذلك الخبير المغربي جمال الناجي مؤخرا، قطاعا استراتيجيا أكثر من القطاع العسكري، كما أنه في ظرفيات التحول والتوتر يبقى صمام  أمان للمجتمعات والدول، لايقل أهمية عن باقي الصمامات الأخرى مثل: الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لأنه يخترق الوعي والأفكار والأحاسيس وينظم الاصطفافات والمواقف.
النهوض بإعلامنا مسؤولية الدولة وكل الفاعلين الآخرين، لكن مسؤولية مؤسساتنا الإعلامية تجاه شعبنا ومجتمعنا ومستقبل وطننا، تبقى بدورها ذات راهنية، حتى لا يساهم بعضنا غدا في جعل هذه المهنة تقف منكسرة تطلب الاعتذار من شعبنا، عما ستكون قد أوصلته إليه من رداءة ومن ضحالة الوعي، ومن سيادة ثقافة التيئيس والعدمية واللااهتمام.

Top