درس آخر من مصر

عاشت مصر تطورات متسارعة في سياق الانتفاضة الشعبية العارمة التي عمت العديد من مدنها للمطالبة بالتغيير، وبقي ملايين العرب، أمام شاشات القنوات الفضائية يتابعون آخر المستجدات، واحتل بذلك «الحدث المصري» صدارة العناوين في مختلف وسائل الإعلام العربية والعالمية. إن مصر بموقعها الاستراتيجي والجغرافي في المنطقة، وبحجمها السكاني، وعمقها التاريخي والحضاري، لا يمكن إلا أن تكون موضوع اهتمام من طرف العرب وبقية العالم، خصوصا عندما تتطور احتجاجات شعبها بهذه السرعة اللافتة.
في منطقة عربية تغلي (القضية الفلسطينية، العراق، السودان، الصومال، لبنان، الأوضاع في اليمن والأردن وتونس وأيضا في الجزائر وموريتانيا، التحولات الجارية في عدد من بلدان الخليج…)، ووسط المشاريع الدولية الموجهة للمنطقة، وسيناريوهات للمستقبل، فإن الحاجة واضحة، استراتيجيا وسياسيا، لمصر مستقرة، وتعيش ضمن دولة المؤسسات، وتقوم بالدور المطلوب منها لفائدة قضايا وشعوب المنطقة، ولذلك فعندما تهتزمصر، فإن الكل يخاف، وتنحبس الأنفاس.
قد يكون ما عاشته مصر مشابها لما جرى في تونس في بعض المنطلقات وفي طبيعة الفاعلين وفي الشعارات، لكن، مع ذلك، فإن الوضع في مصر يبقى أكثر تعقيدا، ويحتاج إلى أدوات قراءة مختلفة.
وكما حدث في تونس، فإن ما يجري اليوم في مصر يقدم بعض الدروس للمنطقة، ومن أبرزها أن الحزب الحاكم هناك، وبالرغم من استفراده لعقود بمختلف مؤسسات الدولة، وبالرغم من التزوير الفظيع والبدائي للانتخابات، وبالرغم من تسخير ثروات البلاد للاغتناء غير المشروع، وتقوية الريع والفساد، وجعل فئات واسعة من المصريين تئن تحت عتبة الفقر، وبالرغم من فرض حالة الطوارئ وخنق العمل السياسي في البلاد…، بالرغم من كل هذا، الشعب انتفض، وتحدى وخرج للشارع وواجه قوات الأمن، وأمام ذلك، الرئيس رضخ، وأقدم على تعيين نائب له، لأول مرة منذ توليه السلطة، وغير الحكومة، وقدم الكثير من الوعود.
وسواء بقي مبارك أم لا، فإن ما عاشته مصر يعتبر مؤشرا على أن مرحلة توشك أن تنتهي، لتفتح الباب لبداية مرحلة جديدة، واضح أنها بدأت بالاعتماد على المؤسسة العسكرية (تعيين الجنرالين عمر سليمان وأحمد شفيق، ونزول الجيش للشارع)، وقد تكون وضعت حدا لمسألة توريث الحكم لنجل الرئيس، لكن الأهم الآن يبقى هو طبيعة القرارات التي سيتخذها الرئيس المصري والمؤسسة العسكرية والأطراف الدولية، وأيضا الاتجاه الذي ستذهب إليه القوى السياسية المصرية، في سياق التأسيس لأفق جديد يقوم على الاستقرار والديمقراطية وتكريس دولة القانون والمؤسسات.
التحدي اليوم، هو استعادة الهدوء في شوارع مصر، وتفادي تحويل الانتفاضة إلى «بلطجة»، ثم الانتقال إلى القرارات المصيرية المرتبطة بمنظومة التحول الديمقراطي والبناء التنموي للبلد.

[email protected]

Top