الحاجة إلى المثقفين اليوم

نبهتنا الخرجة الإعلامية الأخيرة لعبد اللطيف اللعبي، وقبل ذلك نداؤه من أجل «ميثاق وطني للثقافة» في أبريل الماضي، والنقاشات التي جرت منذ ذلك الحين، عبر بعض اللقاءات وعلى أعمدة الصحف، إلى حاجتنا اليوم، في المغرب، إلى إعلاء السؤال عن دور المثقف في مجتمعنا. هذه الأيام وفي خضم الغضب الشعبي المصري، وأيضا خلال ثورة الشعب التونسي، برزت أصوات فنانين وأدباء في البلدين، إما ملتحمة مع نبض الشعب، أو مبدلة معاطف أصحابها لتفادي الآتي، وضمن هذا السياق عاد النقاش والجدل في المشهد الإعلامي المغربي والعربي حول المثقفين وأدوارهم.
في المغرب، يكاد يحصل الإجماع على غياب مثقفينا عن الفعل في الديناميات المجتمعية الجارية، وعن تراجع واضح للالتزام السياسي والإيديولوجي لمثقفينا، وذلك بالمقارنة مع ما كان عليه الأمر في السبعينات مثلا.
لا شك أن للتحولات التي شهدها العالم منذ التسعينات بعض التأثير، ولا شك أن السياسة كما صارت تمارس اليوم في بلادنا، من خلال الانتخابات مثلا، لها أيضا دورها، لكن مع ذلك السؤال جدير بأن يثار اليوم في النقاش العمومي المغربي.
وإن كان الغياب أو التراجع المشار إليهما، يعنيان المجتمع برمته، والدولة أيضا من حيث مواكبة التغييرات الكبرى، والفعل فيها، فإن قوى الديمقراطية والحداثة في بلادنا، تبقى الأكثر مساءلة بموضوع غياب المثقفين وتراجع دورهم.
إن بلورة الأفكار والمطالب والتصورات وأجندات العمل بشأن قضايا مصيرية مثل: الحداثة، التراث، العقل، الإصلاح الفكري، الدين، التنمية الثقافية، التعليم، المسألة اللغوية، الفلسفة، الفن، العمل السياسي، التعاقدات الوطنية الكبرى وغيرها، هي كلها مهمات المرحلة الراهنة، وتتطلب انخراط المثقفين والمفكرين اليوم، وليس الانعزال، في انتظار وحي ما، يقود إلى إبداع ذاتي في المستقبل..
وإن كل الاختلال الذي بات يلتصق بحقلنا الحزبي والسياسي والاجتماعي، لا يبرر مع ذلك لجوء مثقفينا إلى نوع من الحياد السلبي، والاعتكاف في مواقع التخصص التقنوي المبتعد عن كل انشغال مجتمعي، وبالتالي الاستقالة من قضايا المجتمع والناس.
المغاربة في حاجة اليوم إلى مثقفيهم وفنانيهم ومفكريهم، ليكونوا حاضرين في عمق قضاياهم اليومية والمستقبلية، وليكونوا فاعلين في الديناميات الجارية في البلاد.
وعندما نشدد هنا على مسؤولية المثقفين أنفسهم في استعادة أدوارهم في المجتمع، فإننا لا نغفل التأكيد، بنفس القوة، على أن القوى والأحزاب التقدمية مدعوة بدورها إلى تجديد أسئلتها الفكرية والسياسية والبرنامجية، وإعداد الأرضيات القادرة على جر المثقفين والمفكرين إلى مواكبة ذلك والفعل فيه، وبالتالي التأسيس الجماعي لتجديد فكري ومعرفي وثقافي داخل نخبنا الديمقراطية والحداثية.

[email protected]

Top