دروس أخرى من مصر وتونس

سبق أن أشرنا في هذا العمود، في سياق قراءة الثورة التونسية، إلى رسالة مفتوحة كان وجهها زميلنا النجار في تونس إلى الصحفيين في بلاده، وطالبهم بالاعتذار من شعبهم، وتابعنا عديد مناقشات وجدالات وتبادل اتهامات وسط زملائنا هناك، وداخل نقابتهم وحولها أيضا. وفي الأيام الأخيرة  لفت انتباه الكثيرين ما تعيشه نقابة الصحفيين المصريين، وإقدام الصحفيين هناك على منع نقيبهم مكرم من ولوج مقر النقابة، ودعوا إلى جمعية عمومية، كما تتواصل هناك أيضا احتجاجات صحفيي مؤسسات الإعلام الرسمي والصحف القومية، للمطالبة بإقالة مسؤولي هذه المؤسسات، و»محاكمة رموز الفساد» بداخلها.
وبين الثنايا يتأكد أن تحويل نقابات الصحفيين في البلدين، إلى أجهزة و»هيئات» حكومية، تعين لها السلطات مسؤوليها، وتحدد لها مواقفها، يجعل الأمر برمته في خانة اللامعنى.
وهنا يجدر التذكير أن الصحفيين المغاربة ورواد هذه المهنة في بلادنا، كانوا قبل عقود من الآن، ومن خلال النقابة الوطنية للصحافة المغربية، قد رفضوا السير في هذا المنحى الذي اختارته بلدان عربية أخرى، وأصروا على أن تبقى نقابتهم إطارا مدنيا مستقلا يتحدث عن المهنة وعن القوانين وعن الأخلاقيات، وأيضا عن الحقوق المادية والاجتماعية والمهنية للصحفيين.
وحتى عندما خرج أرباب الصحف من النقابة، وتشكلت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، بقيت هذه الأخيرة، بدورها، إطارا تمثيليا مستقلا، والمنظمتان معا يعقدان جموعهما ويختاران مسؤوليهما، عكس ما هو الحال عليه في بلدان عربية أخرى إلى اليوم.
اليوم، وعشية الإفصاح عن خلاصات الحوار الوطني حول الإعلام وتوصياته، يجب أن نتأمل كلنا هذا الدرس، ونحرص على حماية المكتسب، ونجتهد في نفس الوقت لبلورة صيغة مغربية تحقق «التنظيم الذاتي للمهنة».
ولتعزيز الحجة على صوابية الاختيار المغربي، نتأمل أيضا ما حصل لنقابات الفنانين خصوصا في مصر، ولنتذكر أن نقابات المسرحيين عندنا، ونقابات الموسيقيين والتشكيليين وغيرهم، أصروا هم أيضا منذ التأسيس على الانتظام في منظمات مستقلة وتمثل منخرطيها، وكانت أصوات فنية وثقافية عديدة ارتبطت بتأسيس هذه الدينامية النضالية وسط الفنانين، قد دافعت بإصرار من أجل ألا تتحول هذه النقابات إلى ملحقات للسلطة، على غرار ما تمارسه أنظمة الحزب الوحيد.
اليوم ليس المطلوب عندنا فقط حماية المكاسب، وتعزيز استقلالية هذه النقابات، وتقوية هيكليتها وديمقراطيتها الداخلية، إنما من مسؤولية الدولة أن تقوي هذه المنظمات المهنية، وتساند عملها وبرامجها، وتشركها في مسلسلات صنع القرار وتنفيذه، وذلك بما يعزز ويقوي تمثيليتها ومصداقيتها، ويجعل منها بالفعل آليات وساطة ذات فاعلية ونجاعة.
هنا معنى الدولة الحديثة…

[email protected]

Top