قصف إسرائيلي وتوغل في جنوب لبنان وتضارب بشأن الانسحاب

قصفت المدفعية الإسرائيلية بلدة في جنوب لبنان وتوغلت في أخرى، في الوقت الذي قالت فيه مصادر أمنية إسرائيلية إن موعد انسحاب قوات الجيش من الجنوب اللبناني ليس مقدسا وهو متعلق بالواقع.

وقالت وكالة الأنباء اللبنانية “استهدف العدو الاسرائيلي محيط مجمع الإمام الصدر الرياضي في منطقة دوبيه غرب بلدة ميس الجبل بقذيفة مدفعية”.

وأضافت الوكالة أن دبابات إسرائيلية ترافقها جرافة عسكرية توغلت في بلدة مارون الراس وحي عقبة مارون في مدينة بنت جبيل بمحافظة النبطية جنوبي لبنان.

وتابعت أن قوة أخرى من جيش الاحتلال الإسرائيلي تقدمت نحو بلدة برج الملوك التابعة لقضاء مرجعيون بالنبطية، وتمركزت في البلدة وقطعت الطريق بالأسلاك الشائكة.

وتأتي هذه التوغلات بينما تواصل القوات الإسرائيلية احتلال عدة بلدات وقرى لبنانية، وانتهاك وقف إطلاق النار الساري منذ 27 نوفمبر الماضي.

وقبل قليل، قالت الأمم المتحدة المؤقتة لحفظ السلام في لبنان (اليونيفيل) إنها رصدت جرافة إسرائيلية تدمر برج مراقبة للجيش اللبناني في منطقة اللبونة الحدودية جنوبي لبنان.

وشددت اليونيفيل على أن التدمير المتعمد من الجيش الإسرائيلي لممتلكات القوات الأممية والجيش اللبناني انتهاك للقرار 1701.

وعلى صعيد متصل، قالت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميريانا سبولياريتش إنه لا يمكن للمدنيين تحمل انهيار وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل.

وشددت سبولياريتش على أن الحفاظ على وقف إطلاق النار ضروري لعودة العائلات لديارها ووصول المساعدات من جانب آخر، نقلت القناة الـ12 الإسرائيلية عن مصادر أمنية قولها إن موعد انسحاب قوات الجيش من جنوب لبنان ليس مقدسا وهو متعلق بالواقع.

وأضافت المصادر أن إسرائيل أبلغت واشنطن أن سحب القوات من جنوب لبنان يتعلق بالوضع الميداني.

وفي السياق، نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر رسمية إسرائيلية قولها إنه حتى الآن لم يتم اتخاذ قرار بشأن تمديد بقاء الجيش في جنوب لبنان.

وكانت هيئة البث الإسرائيلية قد أفادت أنه من المتوقع أن تبلغ إسرائيل الولايات المتحدة أنها لن تسمح لسكان القرى اللبنانية القريبة من الحدود بالعودة إلى منازلهم، كما أنها لن تنسحب من لبنان بعد مهلة 60 يوما المحددة في اتفاق وقف إطلاق النار.

وذكرت الهيئة الإسرائيلية أن عدم الانسحاب من لبنان يرجع إلى عدم التزام الجيش اللبناني بشروط الاتفاق وانتشاره بوتيرة بطيئة للغاية بالمنطقة، مضيفة أن حزب الله يحاول إعادة تنظيم نفسه هناك.

ومن أبرز بنود اتفاق وقف النار بين حزب الله وإسرائيل، والذي ستعمل واشنطن وباريس على ضمان تنفيذه، انسحاب الجيش الإسرائيلي تدريجيا إلى جنوب الخط الأزرق (الفاصل بين الحدود) خلال 60 يوما، وانتشار الجيش والأمن اللبنانيين على طول الحدود ونقاط العبور والمنطقة الجنوبية.

وستكون القوات اللبنانية هي الجهة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح جنوب البلاد، مع تفكيك البنى التحتية والمواقع العسكرية ومصادرة الأسلحة غير المصرح بها، بينما “لا تلغي هذه الالتزامات حق إسرائيل أو لبنان الأصيل في الدفاع عن النفس”.

ووفق بيانات رسمية لبنانية، تم تسجيل 353 خرقا من قبل القوات الإسرائيلية منذ توقيع الاتفاق، مما أسفر عن مقتل 32 شخصا وإصابة 38 آخرين.

**************************

مستقبل الحرب على غزة في 2025.. احتمالات التصعيد وفرص وقف إطلاق النار

حكمت عوامل رئيسية العدوان الإسرائيلي على غزة المتواصل منذ عملية طوفان الأقصى في قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر 2023، وأثرت هذه العوامل في المسار العسكري والتفاوضي للحرب على غزة سلبا وإيجابا وتأثرت به.

وأبرز هذه العوامل:

– المعركة الميدانية.

– الموقف الأميركي الداعم للاحتلال الإسرائيلي.

– التصعيد الإقليمي الذي صاحب الحرب على غزة منذ يومها الثاني.

– التباينات الداخلية الإسرائيلية.

– ومع دخول العام 2025 ومضي قرابة 15 شهرا على الحرب على غزة، تعرضت العوامل أعلاه للعديد من التغييرات، منها ما هو جذري وحاسم.

ويقتصر التحليل في هذا الجزء من التقرير على المعركة الميدانية من زاوية الأهداف العسكرية والسياسية التي حددها الاحتلال الإسرائيلي لخوضه الحرب بمراحلها المختلفة على قطاع غزة.

أعلنت الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو أهدافا مركزية لحربها على قطاع غزة، وهي:

– إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في القطاع.

– إسقاط حكم حركة حماس وإيجاد بديل عنها لإدارة القطاع.

– تفكيك بنية المقاومة وفي مقدمتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في غزة.

– وشن الاحتلال حربا بلا ضوابط ولا سقوف وبدعم أميركي وغربي على كل الصعد العسكرية والاستخبارية والدبلوماسية والسياسية.

– وأسفرت هذه الحرب عن تدمير واسع للمدن والقرى والمخيمات في قطاع غزة، مخلفة نحو 152 ألف شهيد وجريح فلسطيني معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

– في المقابل، استطاعت فصائل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها كتائب القسام المحافظة على قدرة منظمة ومستمرة على استهداف قوات الاحتلال في المناطق التي تنفذ فيها عمليات توغل كما في محافظات الشمال في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون.

– كما أن قدرة المقاومة المحافظة على قرابة 100 أسير إسرائيلي يشير إلى قيادة وسيطرة وبنية عسكرية متماسكة.

– ويأتي ذلك رغم حجم الضربات التي تلقتها المقاومة في حرب مفتوحة والحصار المفروض على القطاع والضغط الكبير على الحاضنة الشعبية وفرض سياسة العقاب الجماعي والتجويع والإبادة.

– الخلاصة الأساسية التي تؤثر في مسارات التصعيد والتوصل لاتفاق وقف إطلاق نار، تتمثل بعجز الاحتلال عن تحقيق أهدافه باستخلاص أسراه بالقوة العسكرية باستثناء حالات نادرة، والفشل بإيجاد بديل سياسي لإدارة قطاع غزة بعيدا عن حركة حماس وقوى المقاومة.

– ويضاف إلى ذلك عدم قدرة الاحتلال لحسم المعركة العسكرية وتفكيك بنية كتائب القسام وإفقادها القدرة على السيطرة والتحكم وتنفيذ عمليات نوعية ضد قواته المتوغلة في القطاع، بل تعدى ذلك إلى قدرة المقاومة على تنفيذ عمليات صاروخية بين الحين والآخر.

– والانعكاس الرئيسي لهذه الخلاصة أن المفاوضات لا تزال تسير وفقا لإطار باريس الذي انطلق منذ عام تقريبا، والذي يرعاه الوسطاء مع حركة حماس.

شكل دعم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المفتوح للحرب على غزة عاملا حاسما وتشجيعا غير مسبوق لقوات الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ حرب إبادة لا مثيل لها في تاريخ الصراع

ورغم التباينات بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن في العديد من الملفات الداخلية لدى الجانبين، فإن هذا العامل لم يؤثر بشكل حاسم في موقف إدارة بايدن في استمرار تغطية الحرب على غزة والحروب التي خاضها الاحتلال في لبنان والضربات التي نفذها في إيران وسوريا واليمن.

ورغم رعايتها لمفاوضات وقف إطلاق النار وصفقة التبادل منذ نوفمبر 2023، فإن إدارة بايدن عملت مع حكومة نتنياهو على توظيف مسار المفاوضات لخدمة المجهود الحربي الإسرائيلي، ولم تمارس عليه الضغط الكافي لوقف الحرب، بل أمنت له عبر مسار التفاوض الغطاء لاستمرار الحرب.

وفي ظل الانعكاسات السلبية التي لحقت بالولايات المتحدة عموما وبإدارة بايدن التي خسرت الانتخابات الأميركية، بقيت تلك الإدارة محافظة على إستراتيجيتها بدعم الحرب سواء كان ذلك بعجزها عن فعل ذلك أو رغبتها بأن تؤدي الحرب لتحقيق أهدافها، الأمر الذي لم يحصل بشكله الحاسم الذي رغب به الاحتلال وإدارة بايدن.

ومع فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية وحسم الجمهوريين للكونغرس الأميركي بغرفتيه مجلس الشيوخ ومجلس النواب، بات هناك واقع جديد في الولايات المتحدة، وظهر انعكاسه على العامل الأميركي حتى قبل تسلم ترامب لسلطاته في البيت الأبيض.

وقد عبر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في أكثر من موضع عن رغبته في أن تنتهي الحرب في غزة عاجلا وليس آجلا. ففي أكثر من مكالمة هاتفية مباشرة قبل الانتخابات وبعدها، طلب الرئيس المنتخب من بنيامين نتنياهو إنهاء العمليات العسكرية الكبرى في غزة قبل يوم التنصيب.

ويدلل على هذه المساعي التصريحات التي أدلى بها عضو مجلس الشيوخ الأميركي الجمهوري ليندسي غراهام، المقرب من ترامب، التي أكدت أن الأخير يرغب في رؤية صفقة لتحرير الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة قبل توليه منصبه في 20 يناير 2025.

وشدد في الوقت ذاته على أن بعض الشخصيات في حكومة نتنياهو، مثل بتسلئيل سموتريتش، يقترحون “خيارات متطرفة” مثل إعادة احتلال غزة، وهو أمر لا يوافق عليه ترامب.

في المقابل، أدلى ترامب بتصريحات تشدد على ضرورة الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، مهددا “بفتح أبواب جهنم” في حال لم يتم ذلك قبل وصوله إلى البيت الأبيض في 20 من الشهر الجاري.

ورغم التهديدات التي يطلقها ترامب بشأن الإفراج عن الأسرى، فإنه عبر سلوكه السياسي يستبق لحظة تنصيبه لتحقيق صفقة يمكن أن تخفف من التزاماته وأعبائه السياسية، لا سيما أن لديه أولويات داخلية وخارجية أكثر أهمية من الصراع في الشرق الأوسط بصورة عامة.

تجعل هذه السياقات مجيء ترامب العامل الأكثر تأثيرا في حسابات الاحتلال الإسرائيلي بشأن مستقبل الحرب على غزة، وذلك لأن لديه إرادة سياسية لإيجاد حل عملي وسريع لقضية الأسرى، وهذا الأمر يحتم على الاحتلال التعاطي بصورة مختلفة عن السابق مع الملف.

Top