ظاهرة ناس الغيوان.. مساهمة في النبوغ المغربي

نظم مركز تاوسنا للدراسات والأبحاث ملتقى ثقافيا موسيقيا حول الظاهرة الغيوانية، تنوعت فقراته بين مداخلات نظرية تمثلت في توطئة دواعي اللقاء وسياق ظهور مجموعة ناس الغيوان من قبل الدكتور خالد العيوض، وكذا عرض للدكتور محمد همام مسهبا في تعداد مسار مجموعة ناس الغيوان في النبوغ المغربي.
وشهد الملتقى مشاركة مجموعة (كلام الغيوان) بقيادة عازف البانجو الفنان سليمان التونسي. وتتغنى هذه المجموعة بمجموع الأغاني مقتفية أثر المجموعة الأم والتي  ظلت راسخة في أدهان المغاربة…
استهل الدكتور خالد ألعيوض اللقاء بإبراز دور المركز المستضيف للملتقى في رسم مناخ تقافي يحيي أمجاد المبادرات الجادة بغية الاقتداء وتثمين البعد التراثي المحلي والوطني.
وأضاف الدكتور ألعيوض أن مبادرة عقد الملتقى تندرج في إطار الأنشطة المتواترة بمركز تاوسنا للدراسات والأبحاث والتي تقارب عدة أبعاد تقافية تشكل غنى  التراث المغربي عامة وخصوصية الإبداع المحلي خاصة، مقدما المجموعة الغنائية المتألفة من بعض الغيوانيين من أبناء سوس، ومحددا أبعاد اختيار الغناء الغيواني للمدارسة نظريا، مع الإنصات للمجموعة في إطار البعد التطبيقي للنشاط، مذكرا بمختلف المنشورات والكتب التي تناولت الظاهرة الغيوانية في سياق بروز  مجموعات أخرى مماثلة في المغرب. وما قدمته المجموعة الغنائية  للثقافة المغربية بعد الاستقلال مند سنة 1956 في سياق مسار البحث عن الديمقراطية بعد مخاض كبير في مرحلة ما بين الحركة الوطنية ومثقفيها خصوصا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في سنة 65 وما شهدته المرحلة من أحداث وتجاذبات سياسية حول الحريات العامة… وأسهب الدكتور ألعيوض في بسط مختلف الأحداث السياسية التي بصمت المشهد السياسي المغربي، من خلال عرض كرونولوجي للشد والجذب بين الفعاليات السياسية الوطنية حينها. فضلا عن المناخ السياسي الدولي خصوصا أحداث ماي 1968 حيث كان طلبة مغاربة حاضرين بباريس بجامعة السربون وتأثروا بالمناخ الثقافي لفرنسا. ومذبحة صبرا وشاتيلا. جلها عوامل ساهمت في خلق مناخ ثقافي لدى رواد في مجال الأغنية الشعبية، الغيوان نموذجا، وإنتاج ثقافي متعدد الروافد من قبيل أغاني أحمد البيضاوي. ومسرحية الحراز للطيب الصديقي. وبزوغ مواهب شابة آنذاك  بدار الشباب  الحي المحمدي،  شكلت مجموعة ناس الغيوان البهية.
ومن جهته وضع الدكتور محمد همام الظاهرة الغيوانية في سياق ثقاقي خاص شهده المغرب، مستلهما كتاب  “النبوغ المغربي” للعلامة عبد الله كنون و كتاب “الأدب المغربي” للعلامة عباس الجيراري، معتبرا مجموعة ناس الغيوان كفن مغربي أصيل هي  مساهمة في النبوغ المغربي، أي أن اللون الغنائي الغيواني ينتمي الى المدرسة المغربية في سياق فكري وأدبي ثقافي عبر منتوج  له مواقف من قضايا العصر.
وتناول الدكتور همام ظروف بروز هذه المجموعة الفنية العريقة واسعة الانتشار في المغرب وفي شمال إفريقيا وفي العالم العربي. فضلا عن ظهور مبادرات مماثلة في مناطق مختلفة من المغرب “متفاعلة مع سياقاتها المحلية، ورافدة لسياقها الوطني، ومنفتحة على سياقاتها الإقليمية والعالمية” .
وقال الدكتور همام إن رسالة ناس الغيوان لم تختلف عن رسالة الجيل الفريد الذي نشأ في المغرب بعد الاستقلال وكان مسكونا بسؤال بناء الذات المغربية الجديدة والمستقلة. ويجسد طموح بناء الشخصية المغربية والمجال التداولي المغربي على قواعد مغربية.

جانب من اللقاء

واعتبر الدكتور همام مجموعة ناس الغيوان نموذجا للمدرسة المغربية مستحضرا النقاش الذي يتناول حضور الشخصية المغربية والقطيعة المعرفية وعلاقة التأثر مع مدرسة الغرب الإسلامي في مقدمتها وفي زعامتها ابن رشد..
وأشار الدكتور همام أن ناس الغيوان شكلت عنوان مرحلة جديدة في المغرب، وفي المحيط الإقليمي. تميزت بتنوع روافد وبروفايلات أعضائها، وبخبرتها في (كلام المغرب)، وبموضوعاتها المحلية والوطنية والعربية والإسلامية والإنسانية؛ من الحب والسلام، إلى الحق والحرية، ومن سبتة ومليلية إلى إفريقيا (أم العالم) إلى فلسطين إلى لبنان (صابرا وشاتيلا)… كما برعت المجموعة في إخراج ألحان الهامش وموسيقى المهمشين إلى السطح. وغنت بلسان المعذبين والمقموعين. وفي كيمياء الأداء الغيواني تتفاعل الإيقاعات الكناوية والحمدوشية والعيساوية والأمازيغية والحسانية والعروبية والعربية… وتخترق صيحاتهم وآهاتهم الآفاق مكسرة حواجز الانطلاق، ومفجرة مكبوتات الحرية والانعتاق.
وافاد الدكتور همام أن ناس الغيوان جزء أصيل من ذاكرة المغرب وذاته تحتاج إلى تثمين وتكريم وتمتين. ونحتاج إلى تحفيظ ألحانها وصيحاتها وإيقاعاتها لأطفالنا في المدارس، وفي الملاعب، وفي الجمعيات، وعلى الطرقات. تخبرنا ناس الغيوان أن المغرب أصيل، وأنه قادم من أعماق التاريخ، وليس مجرد جملة اعتراضية فيه، يضيف الدكتور همام.
وتخلل الملتقى عروض لألوان موسيقية، مستوحاة من الزمن الجميل،  لأبرز أغاني المجموعة الغيوانية التي ظلت خالدة لعقود من الزمن أدته بمهارة مجموعة (كلام الغيوان) بقيادة عازف البانجو الفنان سليمان التونسي، ومشاركة الفنان حسن السيد شقيق عميد مجموعة ناس الغيوان عمر السيد.
يشار أن  مجموعة “كلام الغيوان” تغنت رفقة الحضور بمجموعة من الأغاني التي تناقلتها الأجيال. أغان وثقت لمرحلة تاريخية من مسار متوهج بالأحداث والمواقف والسياسات المختلفة والمتجاوزة حدود الجغرافية لتبدو أغاني تتسع لقضايا عربية وإسلامية مشتركة بين الشرق والغرب. أغان رددها الحاضرون بحماس من قبيل “الدم السايل” و”يا عالم فيك القتال له جايزة” و”الماضي فات” و”يا صاح وسط الحملة” و”الله يا مولانا” و”أهل الحال يا أهل الحال” و”الصينية” وغيرها من الأغاني ذات دلالات تتأرجح بين البعد الرمزي والصوفي والإشاري…. كما تنوعت بين محاور همت الحياة والوجدان والتراث والأحلام والوطن والهموم البسيطة للمجتمع وعكست الجانب الفكري والوجداني وهواجس المجتمع وهمومه المعيشية.

< كتب: محمد التفراوتي

Top