الكتلة

كشفت الأيام الأخيرة عن حراك تنظيمي ونقاش سياسي داخل بعض أحزابنا الديمقراطية بارتباط مع تحركات تشهدها العديد من المدن، وصلة أيضا بالمحيط المغاربي والعربي الساخن، ومن داخل كل هذه الدينامية الحزبية طفا إلى سطح الحديث موضوع «الكتلة الديمقراطية» كمهمة ذات راهنية بالنسبة لمكوناتها. لقد جاءت الكتلة، عند التأسيس، للجواب على أسئلة الوطن، واندرج الحدث آنذاك ضمن مسار الإصلاح ومن أجل الخروج من الاختناق والارتقاء بحياتنا السياسية، ولا يحتاج الأمر إلى عبقرية خاصة للاقتناع أن الرهانات نفسها مطروحة اليوم، وإن بأشكال وأسئلة ترتبط بمغرب اليوم وبمغاربة اليوم.
ولكي تنجز أحزاب الكتلة مستقبلها، تماما كما فعلت في ماضيها، أي كقوة محفزة للتغيير، لابد لها اليوم من مساءلة ذاتها وذوات مكوناتها، وأيضا تفكيرها وسلوكها، وقبل ذلك قراءة واقعها الذي تعمل ضمنه وتصدر بشأنه المواقف والأفكار.
لقد أعلن حزب التقدم والاشتراكية أول أمس أنه سيتخذ مبادرات اتجاه حلفائه (في الكتلة الديمقراطية واليسار والأغلبية الحكومية)، وكذا اتجاه باقي المكونات الفاعلة في الحقل الحزبي، سعيا إلى التفاف واسع حول مقاربة شمولية للإصلاح، تدمج المطالب الدستورية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الكفيلة بتحصين المكتسبات، وتجاوز الاختلالات، وفتح الآفاق.
وقد انتهى المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي بدوره إلى ذات التوجه بعد نقاش داخلي صاخب، كما أن مواقف حزب الاستقلال غير بعيدة عن الأفق نفسه، وكل هذا يجعل «الكتلة» مشتركا بين الأحزاب الثلاثة، وعنوانا للحظتهم الراهنة، وأيضا تحديا أمامهم من أجل الحيلولة دون تضييع الفرصة مرة أخرى.
اليوم، وبعيدا عن كل غواية للذات، وفقط للتاريخ، لابد من استحضار كثير نداءات ومقترحات ومبادرات أطلقها حزب التقدم والاشتراكية في السنوات الأخيرة، ليس فقط تجاه حلفائه، وإنما تجاه الحقل السياسي الوطني برمته، ومن عناوينها: التعاقد السياسي الجديد، الجيل الجديد من الإصلاحات، دستور جديد لعهد جديد، الأشغال الجماعاتية الكبرى …، كما لا بد أن نعيد للبال الأفكار والمقترحات المعبر عنها بشأن إصلاح القوانين الانتخابية وغير ذلك، وهي كلها محطات بينت قيمة وجودة ونوعية مقترحات الحزب، لكن إشاراتها لم تلتقط، وضاعت أمام تعنت البعض للعتبات الانتخابية وللنسب، ولقوة وهمية ومتخيلة بدت اليوم غير ملموسة.
اليوم ليس الوقت للمحاسبة مع ذلك، أو لتقطير شمع الكلام، إنما لحظة البلاد تفرض عدم تضييع الفرصة، وتفرض الانعتاق من باتولوجية الحسابات التي لا تتجاوز الأنوف القصيرة، والتفكير ملئ الوطن، وبالتالي أن تنجح الكتلة الديمقراطية في طرح أسئلة المستقبل.
وعندما تنجح في ذلك، عليها أن تنجح أيضا في صياغة أهدافها، وفي تسطير خارطة الطريق، وفي الحضور داخل زمنية إيقاع أجيال اليوم.
الكتلة مدعوة لامتلاك المبادرة بعقلية اليوم وبأسئلة اليوم و…بأهداف المستقبل.

[email protected]

Top