منظومة حقوقية متكاملة

تعززت المنظومة الحقوقية المؤسساتية في بلادنا بإعلان جلالة الملك عن إحداث «مؤسسة الوسيط» كهيئة وطنية مستقلة ومتخصصة، تحل محل ديوان المظالم، بالإضافة إلى إحداث مندوبية وزارية لحقوق الإنسان، والقراران معا يأتيان أياما فقط بعد تحويل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى «المجلس الوطني لحقوق الإنسان». لقد كان لافتا في حالتي المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط إلغاء الصفة الاستشارية عن الهيئتين، واعتبارهما هيئتين وطنيتين مستقلتين، ما يفيد توجها جديدا، بلا شك، يسعى إلى تجاوز صيغة المجالس الاستشارية لفائدة مؤسسات فعلية تمارس اختصاصات حقيقية وواضحة.
وهنا لا بد من التذكير أن صلاحيات مجلس حقوق الإنسان مثلا كانت دائما موضوع نقاش وسط النسيج الجمعوي الحقوقي، وقدمت بشأن ذلك عديد توصيات ومقترحات من طرف منظمات حقوقية وطنية ودولية، كما أن تسمية «الوسيط» ترددت كثيرا على عهد حكومة التناوب التوافقي، وأيضا وسط الفاعلين الجمعويين والحقوقيين والسياسيين، ومن ثم فإن القرارات الملكية، التي أعقبت خطاب تاسع مارس، تحمل استجابة وتفاعلا مع مطالب مشروعة عبر عنها داخل النقاش الوطني منذ سنوات، وهي تهدف إلى تفعيل الإصلاحات المؤسساتية، وتمكين المغرب من منظومة حقوقية وطنية متناسقة وحديثة وناجعة، في انسجام مع المعايير الدولية ذات الصلة.
إن المؤسسات الوطنية الثلاثة لن تتولى فقط بلورة الحلول لمشاكل متراكمة من سنوات الرصاص، أو أنها ستهتم بقضايا الماضي وحدها، إنما سيكون دور مؤسسة مثل «الوسيط» مثلا، هو حماية المواطنين في علاقتهم بالإدارة، وضد الشطط في استعمال السلطة، في حين تعتبر المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، بمثابة هيئة تنفيذية، مهمتها متابعة وتنسيق عمل القطاعات الحكومية المعنية، والسياسات العمومية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والنهوض بها. وعليه، فإن المسعى في النهاية، هو صيانة كرامة المواطن وحماية حقوقه والنهوض بها، وفي هذه الهدفية تتجسد الاستجابة الملكية للمطالب الشعبية المعبر عنها بشأن تخليق الإدارة وإصلاحها، وبلورة المفهوم الجديد للسلطة على أرض الواقع، وجعل مختلف مرافق الإدارة في خدمة المواطن وليس العكس، أي أن هذه الهياكل المؤسساتية لها طبيعة تفاعلية مع حاجيات حقيقية يرفعها المجتمع اليوم.
القرارات الملكية جاءت أيضا منسجمة مع روح الإصلاحات الدستورية التي أعلن عنها في تاسع مارس، وتمثل إرادة واضحة في إحداث عدد من إجراءات وتدابير تقوية الثقة في المسار الجديد، واستنهاض التعبئة المجتمعية بغاية إنجاحه.
المطلوب اليوم متابعة هذه الدينامية، ومواكبتها لإنجاحها، ولتفعيل إجراءاتها على الأرض وبشكل ملموس، وذلك بدل مواصلة رفضوية غريبة، لا تفتح بصرها عما يحدث، وعما يعلن عنه، وكأن تاسع مارس لم يكن.
[email protected]

Top