تتطلب الدينامية التي أطلقها خطاب تاسع مارس إسنادها بإجراءات وقرارات أخرى تعطي ل «الثورة المغربية الهادئة» معناها الشمولي، وهو المطلب الذي عبر عنه حزب التقدم والاشتراكية، عقب الاجتماع الأخير لمكتبه السياسي، من خلال دعوة الحكومة إلى «اتخاذ مختلف المبادرات الإصلاحية الكفيلة بتعزيز أجواء التعبئة الوطنية واستباق دينامية الإصلاح بتدابير نوعية، خاصة فيما يتصل بمحاربة الفساد وأوضاع الريع والرشوة، وتعزيز الشفافية، وتجويد خدمات المرافق العمومية الأساسية».
من المؤكد أن كل الاختلالات التي لحقت مشهدنا السياسي وحياتنا الانتخابية خلال سنوات، بالإضافة إلى ملفات فساد عديدة منها ما فضحته الصحافة الوطنية أو كشفت عنه تقارير المجلس الأعلى للحسابات، قد ساهمت في تكريس أجواء عدم الثقة وسط شعبنا وشبابنا، ما يجعل اليوم من اتخاذ إجراءات ملموسة لتعزيز الثقة مهمة لا تخلو هي الأخرى من أولوية.
وفي هذا الإطار، فقد تناقلت الأخبار في الأسابيع الأخيرة الاعتقالات التي جرت وسط العديد من المنتخبين في جهات مختلفة، كما أن ديناميات انطلقت على صعيد محاربة الرشوة وتعزيز منظومة الشفافية، وكل هذا يقتضي اليوم خطوات قوية وملموسة تستهدف وضع حد للفساد والمفسدين والقضاء على اقتصاد الريع، وبالتالي جعل الناس يحسون بأن مسلسل تكريس «دولة القانون» يعني أيضا مجال الاقتصاد والإدارة والتسيير والأعمال.
من جهة أخرى، وبعد أن نجحت السلطات الأمنية في تدبير مسيرات 20 مارس، لا بد أيضا من الإصرار على عدم التراجع، وبالتالي جعل التدبير الأمني الذكي والمنضبط للقانون واحدا من عناوين لحظتنا التاريخية الراهنة.
ومن التدابير المطروحة اليوم كذلك في النقاش السياسي العمومي، ضرورة توفير مخارج سياسية وقانونية لبعض الملفات القضائية والحقوقية التي رفعت بشأنها كثير مطالب في السنوات الأخيرة، وذلك بما يساهم في تقوية مصداقية القرارات الملكية الأخيرة ذات الصلة بحقوق الإنسان وبسيادة القانون.
وسواء بالنسبة لمسلسل الإصلاح الدستوري، أو من أجل إنجاح تدابير تعزيز الثقة المذكورة، فإن إصلاح الإعلام، خصوصا العمومي، وتأهيله، يبقى من أبرز الإجراءات المطلوبة اليوم، والتي لا تخفى استعجاليتها على أحد.
لقد بدأت قنواتنا الوطنية وإذاعاتنا تتململ فعلا في الفترة الأخيرة، بغاية مواكبة الحراك الذي يشهده المجتمع، لكن مع ذلك فإن الأمر يحتاج إلى تغيير أكبر، وإلى منظومة متكاملة في الإصلاح تشمل الجوانب القانونية والسياسية والتدبيرية والمهنية والأخلاقية.
إن اللحظة الديمقراطية المغربية لا يمكن أن تنجح من دون انخراط وسائل الإعلام في مواكبتها وفي تعبئة المواطنين وتفعيل حوار وطني حقيقي حولها، ومن ثم فإن ترك إعلامنا حيث هو، قد ينعكس سلبا على مجمل الدينامية المجتمعية.
إن التدابير المشار إليها، من شأن الإعلان عنها تقوية فرص نجاحنا جميعا في مسارنا الديمقراطي، وبالتالي تمكين الدينامية الجارية اليوم من شروط تملكها من لدن المواطنين، وتعبئتهم لتحصينها، والعمل على إنجاحها.