جر أصوليون (من أشكال وألوان مختلفة) النقاش العمومي والإعلامي المرتبط بمراجعة الدستور، في الأيام الأخيرة، إلى قضايا ومواقف بنيت على إشاعات وعلى «ما وصل إليهم من أخبار»، ما جعل الكثيرين يعتبرون المناورة كلها بمثابة حملة ضغط استباقية ذكرتنا بمواقف الأوساط ذاتها أثناء مناقشة خطة إدماج المرأة في التنمية..
الآن وقد هدأت نسبيا هذه «الجذبة»، وصارت الوثيقة متاحة، يجدر بالطبقة السياسية وبمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والمثقفين والباحثين أن يدفعوا بالنقاش العمومي نحو جوهر القضايا المتضمنة في مشروع الدستور الجديد، وبالتالي نحو العمق المجسد للتحول المؤسساتي والسياسي الذي تؤسس له المملكة اليوم.
اليوم، نحن بصدد بلورة القانون الأسمى للمملكة، وبالتالي فنحن أمام تأطير للحكم وللسلطة ولبنية الدولة، ما يحملنا جميعا مسؤولية تاريخية كي لا نضيع الفرصة على بلادنا وشعبنا.
اليوم، نحن نتحدث عن المؤسسة الملكية وصلاحياتها ودورها وعلاقتها بباقي المؤسسات، ونتحدث عن السلطة التنفيذية وعن الحكومة ورئيسها (لأول مرة) وعن توسيع صلاحياتهما وعن تولي رئاسة الحكومة من لدن الحزب الذي يحتل المرتبة الأولى في الانتخابات، وتفويض رئيس الحكومة رئاسة مجلس الوزراء وهو أيضا مسؤول عن كامل السياسة العامة في البلاد، ونحن نتحدث أيضا عن صلاحيات كثيرة أضيفت للبرلمان وعن توسيع كبير لمجال القانون والتشريع، وعن مراجعة تركيبة ودور الغرفة الثانية، ونتحدث لأول مرة عن القضاء كسلطة وعن استقلاليته، وعن دسترة عدد من آليات التحكيم والمراقبة، وعن اقتران المسؤولية بالمحاسبة، ونتحدث عن دسترة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وعن إدراج حقوق الإنسان كماهو متعارف عليها دوليا في النص الدستوري، بما في ذلك المساواة بين الجنسين، ودسترة الأمازيغية، وتكريس الشفافية وتطوير الحكامة الجيدة بمؤسسات الدولة.
إن كل هذا وغيره يمثل اليوم القضايا الجوهرية التي يجب أن ينصب عليها النقاش العمومي والسياسي والإعلامي، بدل جر الاهتمام الشعبي إلى قضايا جانبية أو تخويفه بمخاطر مبنية على الإشاعات وعلى الوهم.
هذه هي مسؤوليتنا اليوم جميعا تجاه اللحظة التاريخية التي يعبرها بلدنا، والتي رسم معالمها الكبرى خطاب تاسع مارس الماضي.
ولكسب الرهان لا بد أن تنخرط الدولة من جهتها بحزم ونجاعة وجدية من أجل إنجاح المرحلة الإعدادية للاستفتاء والاستفتاء نفسه، من خلال تأمين كل الترسانة التنظيمية واللوجيستيكية الضرورية، وأيضا من خلال الحرص على أن يكون الاقتراع لحظة ديمقراطية تحمل إشارة واضحة عن مستقبلنا الانتخابي، أي يجب أن يدرك شعبنا أننا بصدد الخروج من مغرب سابق مضى ولن يعود، نحو مغرب جديد.
وهنا أيضا للمواطنات والمواطنين، وضمنهم الشباب والنخب، مسؤولية كبرى تجاه بلدهم وشعبهم، ما يقتضي خروجهم من دائرة التفرج والسلبية، وإقبالهم بكثافة على المشاركة في الاستحقاقات الديمقراطية بدءً من الاستفتاء الدستوري.
المغاربة كلهم معنيون بصنع مستقبلهم السياسي والديمقراطي.
فلنصنع إذن مستقبلنا بأيدينا.