الدستور

ثمة ما يثير فعلا أسئلة الاستغراب في المواقف الرافضة لمشروع الدستور أو الداعية لمقاطعة الاستفتاء، ولعلها مناسبة تقتضي اليوم تشجيع الجدل والحوار وسط مشهدنا الحزبي بشأن مستقبل هذه البلاد وماذا نريد لها.
بداية  نعتبر أن اختلاف التعاطي وتباين التموقعات من النص المعروض على الاستفتاء مسألة صحية ومن شأنها إغناء تراكمنا الديمقراطي، ولذلك فنحن نرفض أي مس أو تقزيم أو قمع لهذا الاختلاف، أو استهداف للحق في التعبير عن كل المواقف.
وفي نفس الوقت، نعيد القول إن النظر السياسي عند بعضنا يحتاج إلى تدقيق الرؤية وإلى حسن التقدير، سواء من خلال قياس حجم المكاسب ومقارنتها بالموجود حاليا أو بكل ما حققناه في العقود الماضية، ثم استحضار السياقات المحيطة بنا، وأيضا التقدير الصحيح لموازين القوى ولحجم الذات بعيدا عن كل التوهمات أو الأمراض الطفولية.
من الغريب حقا أن يحضر البعض اجتماعات الآلية السياسية، ولأنه لم يقنع أحدا بما يريده كأسلوب عمل وكمدى زمني، يخرج اليوم ليقول لنا بأن المنهجية «أبعد ما تكون عن المنهجية التشاركية..»، أو يعود البعض الآخر إلى الدرجة الصفر في التقدير السياسي للمرحلة وللواقع ليقول بأن مشروع الدستور «صادر عن لجنة معينة بشكل فوقي تفتقد للمشروعية الشعبية».
وإذا تجاوزنا هذه الاعتراضات الشكلية والمنهجية التي تبتعد عن الوعي بالمرحلة وبتحولات السياق، وتقترب كثيرا جدا من مقاعد كليات الحقوق وما ورد في قواميس التعريف بالمؤسسات، ووقفنا عند المضامين، نصطدم بالعمى نفسه.
لقد ذهب البعض إلى حد اعتبار مشروع الدستور الجديد «يكرس الاستبداد السياسي ويشرعنه، حيث ظل تركيز السلط في يد نظام الحكم الفردي»، وانتقد آخرون «احتكار الحقل الديني عبر صفة أمير المؤمنين…»، وأيضا «قيادة القوات المسلحة الملكية ورئاسة المجلس الأعلى للأمن»…
إن قليل رزانة لن يقتل، بل من المؤكد سينفع هؤلاء، ولذلك  نتجرأ على مساءلتهم بخصوص الجهة التي يودون تكليفها بالإشراف على الحقل الديني وإمارة المؤمنين والإفتاء، وأيضا عن الجهة التي يحلمون بأن تترأس الجيش، وما إذا كانت تخريجاتهم العجيبة هذه ستحافظ للمغاربة على الأمن والاستقرار والوحدة …
إن إعداد دستور للبلاد لا يشبه بتاتا صياغة قانون أساسي لجمعية أو لحزب كما أننا هنا لسنا بصدد وضع دستور خاص بهذا الحزب أو ذاك،  ولذلك نعتبر أن دستور 2011 يقوي سيرنا نحو مرحلة جديدة، يتكرس فيها تعاقد جديد، ويدفع البلاد نحو خوض مسلسل الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهنا يكمن واجب تثمين ما حمله النص الجديد من مكاسب ومن إشارات قوية وأساسية.

[email protected]

Top