والآن، ما العمل؟

صوت المغاربة أمس الجمعة على الدستور الجديد للمملكة، وانطلقت منذ ليلة أمس مناقشات تقييم الاقتراع، وإبراز مهام مرحلة ما بعد الدستور، وأيضا تحليل مختلف المؤشرات التي كشفت عنها الحملة الاستفتائية.
ولعل السؤال الذي يطرحه الجميع، ولو بصيغ وتعبيرات مختلفة، هو: والآن، ما العمل؟ إن الحوار السياسي والإعلامي العمومي الذي ميز أيام الحملة، وأيضا ما قبلها، وكثافة المناقشات التي شهدها مجتمعنا يجب أن تستمر وتتواصل، لأن توقفها سيكون بمثابة «لي حرث الجمل دكو».
إنها المهمة الأولى لما بعد الاستفتاء، وهي ملقاة على عاتق الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمثقفين والباحثين، وأيضا على وسائل الإعلام، خصوصا السمعية البصرية منها.
أما المهمة الثانية، فهي الانكباب بجدية واستعجال على قضايا الإصلاح السياسي، وإعداد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في مدى زمني معقول، وأيضا ضمن الرؤية التغييرية المرتكزة على حاجة الدستور الجديد إلى مؤسسات جديدة وإلى نخب وكفاءات جديدة وأيضا إلى ممارسة سياسية وانتخابية وبرلمانية جديدة.
وتتعلق المهمة الثالثة، من جهتها، بضرورة الإقدام على مزيد من إجراءات وتدابير تعزيز الثقة تهم الملفات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأيضا الحريات وحقوق الإنسان والإعلام وتخليق الحياة العامة، وهي مبادرات ستقوي الثقة وسط شعبنا في مسلسلات الإصلاح، وتحفزه على الانخراط في دينامية التغيير.
من جهة ثانية، لقد كشفت الحملة الاستفتائية أهمية تقوية دور الأحزاب الوطنية الجادة ودعم عملها، وحاجة البلاد إلى قواها الديمقراطية الحقيقية لأنها صمام الأمان الرئيسي، ومن ثم فإن الدينامية السياسية التي تحياها بلادنا في الشهور الأخيرة، أعلنت فشل سيناريوهات الهيمنة الحزبية والقضاء على التعددية، وأبرزت أيضا الحاجة الدائمة للأحزاب الجادة والقوية وذات المرجعية الواضحة والمصداقية التاريخية والموقف المستقل، كما أن هذه الأحزاب نفسها مدعوة اليوم، وبإلحاح، إلى تجديد بنياتها وضخ نفس جديد في منظومة عملها وتقوية انفتاحها على الأجيال الجديدة وعلى النخب، وتمتين حضورها الفاعل في الميدان وسط الناس، وفي الإعلام أيضا.
لقد عبرنا أمس مرحلة الاستفتاء، وأسسنا لدخول بلادنا إلى زمن سياسي جديد، ونحن مدعوون اليوم إلى التعبئة الجماعية لاختيار من سيتولى تطبيق مقتضيات الدستور الجديد، أي في البرلمان وفي الحكومة، ولاحقا في الجماعات وفي الغرف.. ونحن مدعوون أيضا لكثير من اليقظة لكسب رهان تفسير أحكام وفصول الدستور الجديد وتأويلها بما يخدم اختيارات البلاد من أجل الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان والمساواة والتقدم، وألا نفتح الباب لأي هجوم أو التفاف على النص من لدن الأوساط الرجعية والمحافظة.
نحن فقط في البداية، لكن نحن على الطريق الصحيح.

[email protected]

Top