أكبر من الاستطلاع

خلف استطلاع للرأي أجري لصالح صحيفة (لافي إيكو) (وإذاعة أصوات)، حول علاقة الشباب المغربي بالأحزاب وبمسؤوليها نقاشا وتساؤلات وسط القيادات الحزبية، وأيضا لدى المتابعين للشأن السياسي الوطني، وهذا الجدل الإعلامي، بالخصوص، يبقى الفائدة الجوهرية للاستطلاع المذكور. من جهة أخرى، فإن تقنيات الاستطلاع ومعاييره وخلاصاته، تعيد إلى الواجهة حاجتنا اليوم في المغرب إلى تقنين هذا المجال، وخصوصا ما يرتبط منه بالحقل السياسي الوطني.
قد تكون بعض نتائج هذا الاستطلاع حقيقية، أو أنها تقترب من الواقع في بلادنا ووسط شبابنا، لكن  ذلك لا يمنع من القول بأن قضية الشباب والعمل السياسي والحزبي صارت تقدم في بلادنا بكثير من السطحية وبالاعتماد على كليشيهات مرسومة في العقول سلفا، وتقود تفكير أصحابها نحو فهم أحادي يوجه الاتهام إلى الأحزاب فقط ومطالبتها بضرورة الانفتاح والدمقرطة وووووو…….
الاستطلاع يقدم لنا ترتيبا غرائبيا للأحزاب المغربية، حتى أن بعض الهيئات التي لا يعرفها حتى محترفو العمل السياسي نجدها في مراتب سابقة بكثير لأحزاب يزيد عمرها عن نصف قرن، ورغم أن الاستطلاع، بحسب منظميه، أجري في فترة الحملة على الاستفتاء الدستوري بكل تجمعاتها الحزبية وحواراتها التلفزيونية، فإن نسبة مهمة من المستطلعة آراؤهم لم تتمكن، برغم المساعدة، من معرفة اسم أي حزب، وهذا يطرح أسئلة تتجاوز الأحزاب لتهم المجتمع.
ما معنى أن يكون شباب من العينة العمرية التي اعتمدها الاستطلاع يجهلون الأحزاب وزعماءها؟ ألا يدفعنا هذا، إذا تجاوزنا التحفظات المرتبطة بالاستطلاع نفسه، إلى مساءلة منظومتنا التعليمية مثلا؟
لماذا فقط قبل ثلاثين أو عشرين سنة من زمننا هذا كان التلاميذ والطلبة يقبلون على القراءة من خارج المقررات الدراسية وينخرطون في الجمعيات الثقافية والأندية السينمائية والمنظمات الشبابية والأحزاب؟ لماذا صارت جامعاتنا فقيرة إلى هذا الحد على صعيد الحركية السياسية والنقاشات الساخنة بين طلبتها؟
خلاصات الاستطلاع هنا ليست أداة «للتقلاز» للأحزاب، بقدر ما هي إدانة  لسياسات اتبعت طيلة عقود، إلى أن نجحت في إفراغ الجامعات ودور الشباب من كل مضامينها السياسية والتأطيرية.
اليوم عندما نجد آلاف الشباب لا يقرؤون ولا يعرفون اسم حزب واحد في بلدهم وأن مستوياتهم التعليمية والثقافية تراجعت على نحو خطير، فإن الكل يجب أن يستشعر الخطر، ويدرك معنى المطالبة بإصلاح حقيقي وجدي للتعليم، ومعنى المطالبة بدعم الأحزاب الجدية، ومعنى المطالبة بمساندة الصحافة السياسية الرصينة، ومعنى حماية التعددية السياسية في البلاد، ومعنى تشجيع القراءة.
الانتخابات اليوم على الأبواب، وهي مناسبة للشروع في الانكباب على هذه المطالب، والسعي لكي تستعيد السياسة نبلها ولكي نعيد الشباب إلى الانشغال بقضايا بلده، وفي مثل هذه المعركة، فإن هذه الاستطلاعات لا تعني الشيء الكثير.
[email protected]

Top