واجب الانتباه

خرجات (20 فبراير) للأحد الماضي شهدت في بعض المدن تصعيدا مثيرا في الشعارات، وتلويحا بشعارات غير مفهومة المعنى والغاية والسياق، وهو أمر يسائل على كل حال محركي هذه الخرجات والمتمترسين خلفها أو… أمامها. الحراك بلا رؤيا، وبلا هدف، وهنا خطورة مثل هذه العفويات أو الطفوليات على النضال الشعبي العام، ومن هنا أيضا تنبع الدعوة إلى الحركة الشبابية كي تسارع إلى إنقاذ نفسها.
في نفس الوقت، فإن بعض الاستفزازات والاعتداءات التي تعرض لها نشطاء من الحراك الشبابي تعتبر أفعالا غير مقبولة، ولن تقود إلا إلى التصعيد، وإلى المنغلقات.
البلاد اليوم في حاجة إلى القوى الديمقراطية ذات التاريخ والمصداقية، لتنزل إلى الشارع وتفتح النقاشات وتحاور وتساجل وتقنع، حتى لا نفيق فجأة وقد سرق منا تميزنا المغربي.
عندما نسمع اليوم شيخ الظلاميين يعتز بمريديه لأنهم «حمروا الوجه»، ويعض على شروده، نعتبر أن لبلادنا علينا حق التعبئة والدفاع.
وعندما يتحول الاحتجاج إلى محاولات اعتداء ومس بالسلامة البدنية (كما جرى مع المناضلة والوزيرة نزهة الصقلي)، وتقترن المطالبة بالتشغيل باحتلال مقرات أحزاب أو تعطيل خطوط السكة الحديدية وتوقيف إمدادات الفوسفاط، هنا تصير القوى الديمقراطية أمام واجب حماية المكتسبات التي لم تتحقق لشعبنا إلا بالاعتقالات والمنافي والتعذيب وبدماء الشهداء على امتداد عقود.
لقد فرح المغاربة عندما تفاعلت المؤسسة الملكية إيجابا مع مطالب الشارع والقوى الديمقراطية، واعتز المغاربة ببلدهم عندما نجح في وضع دستور متقدم، وهم يتطلعون اليوم إلى كسب رهان الانتخابات المرتقبة، وبالتالي إنجاح الإصلاحات السياسية، للتفرغ لحل المعضلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا يتمنون اليوم دفع البلد إلى «تقليد» ما يجري في بلدان عربية أخرى (اليمن، سوريا، ليبيا)، أو دفعهم إلى حمل ما خف وزنه والفرار نحو حدود البلدان المجاورة (كما يقع لأشقائنا السوريين على الحدود التركية)…
وعندما لا تسود إلا لغة التصعيد والتأزيم، ويغيب العقل، وتفتقر الحركات الاحتجاجية إلى الرؤيا، فهذه المآلات لا تكون بعيدة أو مستحيلة.
شعبنا يريد من قواه السياسية أن تفتح له الآفاق، لا أن تقوده إلى الارتطام بالحائط، والسياسة تفرض الحرص الدائم على استدعاء العقل، وعلى التحلي بشجاعة القول والتحليل، وعلى ممارسة النقد الذاتي وليس الاكتفاء بالنقد وحده أو (الضرب بالحجر) في كل الاتجاهات.
إن الدفاع عن استقرار البلد وطمأنينة أهله، ليس فعلا سلطويا فقط، إنه مسؤولية العقلاء من المناضلين، والقوى الديمقراطية الجادة، والمناداة بهذا اليوم لا تعني إرجاء للأجندات النضالية، بقدر ما أنها إعادة تموقع للنضال الشعبي في دائرة العقل، أي من أجل الإصلاحات وضمن سعي مجتمعي واضح من أجل الحداثة والديمقراطية.
[email protected]

Top