مفاوضات نيويورك

تجري جولة أخرى من المفاوضات غير الرسمية حول الصحراء بضواحي نيويورك تحت رعاية الأمم المتحدة، دون أن يلمس العالم أي تغير في مواقف الطرف الآخر، حيث يستمر الجمود نفسه والعقلية ذاتها، ما دفع خبراء أمريكيين إلى دعوة الجزائر و»البوليساريو» إلى التسليم بـ «منطق التاريخ وحقيقة الوضع في الميدان» من أجل إيجاد حل للنزاع، وهو النزاع الذي قال هؤلاء الخبراء إنه «قد يفتح المجال لتكثيف القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لعملياتها الهادفة إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة».
المغرب، من جهته، يخوض هذه الجولة من المفاوضات من موقع قوة، وذلك انطلاقا من الأوراش الإصلاحية، السياسية والدستورية، التي يواصل إنجاحها داخليا، وأيضا بعد أن بادر إلى توسيع صلاحيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ثم مشروع الجهوية المتقدمة الذي أعلن عنه سابقا، وكل هذا يجسد إرادة واضحة من المملكة للتقدم في مسار التغيير الديمقراطي، وبالتالي بلورة حل سياسي ونهائي للنزاع المفتعل في أقاليمنا الجنوبية ضمن هذه الصيرورة، وفي إطار حكم ذاتي تحت السيادة المغربية، مع التطلع إلى اندماج مغاربي يخدم مصلحة الشعوب وأمن وتنمية المنطقة.
في السياق ذاته، فإن الجولة الحالية من المفاوضات تنعقد بعد أن نجح المغرب منذ أيام في توقيع البروتوكول الخاص باتفاق الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، من دون التنصيص على أي استثناء للمناطق الجنوبية، وبعد أن  حصل، قبل أسابيع، على صفة الشريك من أجل الديمقراطية من لدن مجلس أوروبا، والأمران معا يمثلان انتصارات ديبلوماسية للمغرب، ويجعلان الضغط ينتقل إلى الطرف الآخر.
الطرف الآخر اليوم، وبالرغم من كل الهزات التي يشهدها المحيط المغاربي والعربي، لا يبدو أن نسيم هذا الربيع قد وجد طريقه إلى تيندوف أو إلى قصر المرادية، وهذا الجمود يجعل المفاوض المغربي في كل مرة أمام نفس الخطاب وذات «الترافع» وبالأساليب عينها.
ومع ذلك، فمن المهم اليوم الاستمرار في هذه «الهجومية» المغربية، وبالتالي جعل الضغط الدولي والإقليمي يتواصل على الطرف الآخر، بما في ذلك عبر تعزيز الجبهة الداخلية وتقوية المنجز التنموي والديمقراطي في الأقاليم الجنوبية.
عندما يحضر المغرب اليوم إلى نيويورك، وقد بات دستوره ينص على المكون الصحراوي ضمن روافد هويته الوطنية، ويعترف بالحسانية ضمن ثرائه اللغوي والثقافي، فضلا عن شجاعة مشروع الجهوية الموسعة، فإن كل هذا يزيد من قوة مقترح الحكم الذاتي ومصداقيته، ويدفع بموقف الطرف الآخر إلى الحائط، وهذا يفرض علينا كلنا مسؤولية إنجاح مسلسلنا الديمقراطي وتحصينه من كل انحراف، لأن في ذلك أيضا الورقة الرابحة لدفاعنا عن وحدتنا الترابية.
[email protected]

Top