نقاش هامشي آخر في البرلمان

تسعى أطراف حزبية هذه الأيام إلى جر مجلس النواب إلى نقاش هامشي آخر، لا خلفية له سوى التفكير الهيمني، وتركيز الجهد كله على استهداف حساسية سياسية لها تاريخها وتميزها وثقلها.
إن إيهام الناس أن الحديث عن العتبة المطلوبة لتشكيل فريق نيابي لا يعدو أن يكون مناورة من أحزاب الأغلبية، أو أن هذه العتبة نفسها هي الفاصلة في البلقنة أو في عدمها، هو ببساطة نقاش غير صادق.
وبإجراء مقارنة بسيطة مع ما تشهده وتعمل به العديد من برلمانات العالم، يتبين أن الأمر لا صلة له بأي تفكير تناوري أو مؤامراتي كما يروج له عندنا هذه الأيام.
ففي سويسرا مثلا حيث المجلس الوطني يتركب من مائتي عضو، خمسة نواب فقط بإمكانهم تشكيل فريق، وفي إيطاليا الرقم محدد في عشرة بالنسبة لمجلس يضم 630 عضوا، وبترخيص من مكتب المجلس يمكن لحساسيات سياسية تتوفر على أقل من عشرة نواب أن تكون فريقا، وفي بلجيكا خمسة نواب أيضا بإمكانهم تشكيل فريق، وفي البرلمان الأوروبي الذي يتركب من 736 عضوا بإمكان 25 عضوا تشكيل فريق، وفي الجمعية الوطنية بالكيبك بكندا التي تتألف من 308 عضوا يمكن لاثني عشر عضوا تشكيل فريق، أما في فرنسا، التي يحب الكثيرون عندنا التشبه بها، فإن الجمعية الوطنية المكونة من 577 عضوا تتيح لخمسة عشر نائبا تشكيل فريق، وكانت هذه العتبة قد عرفت تخفيضا وزيادة بحسب الحاجة لتمثيل حساسيات سياسية (الحزب الشيوعي ثم حزب الخضر…).
وعليه، فإن الأمر يتعلق أولا ببلورة عملية وإجرائية للمقاربة الإدماجية القائمة على جعل البرلمان الفضاء الرئيسي للحوار السياسي في البلاد، ومن ثم، فإن تمكين الحساسيات السياسية من تشكيل فريق هو الذي يتيح لها فرص الفعل في الحياة البرلمانية العامة.
من جهة ثانية، فإن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة أفرزت ثمانية أحزاب سياسية أساسية في البلاد، وهذا يجب أن يبرز داخل البرلمان، وعتبة تشكيل الفريق النيابي هي مجرد آلية إجرائية لتحقيق ذلك وتيسيره، وكل رفض له اليوم، يعني الإصرار على التشبث بمقاربة إقصائية وهيمنية تقرأ الواقع السياسي بأدوات عتيقة ولا نظر لها.
إن المداولات التي تتم منذ أيام بين ممثلي مختلف الفرق النيابية تنكب ليس فقط على عتبة تشكيل الفريق، إنما أيضا على جعل عدد نواب الرئيس واللجان النيابية متسعا لخريطة الأحزاب الثمانية، وأيضا بما يتيح لهذه الحساسيات كلها، أغلبية ومعارضة على حد سواء، عضوية مكتب مجلس النواب ورئاسة اللجان، وبالتالي إعطاء مدلول ملموس للمقاربة الإدماجية التي تغنى بها الكثيرون منذ حملة الاستفتاء على الدستور الجديد.
اليوم يجب أن يسعى الكل إلى الرفع من مستوى أداء مجلس النواب الجديد، والحرص على تطوير ممارستنا البرلمانية، والمدخل لهذا هو سلة إجراءات متكاملة، منها عتبة تشكيل الفريق النيابي، وعدد  نواب الرئيس، وعدد اللجان الدائمة، وليس إجراء واحدا دون البقية.
إن الإصرار على الزوابع الهامشية اليوم يتهددنا بتضييع فرص أخرى لتأهيل منظومتنا السياسية والبرلمانية وتطوير مستوى أدائها.

[email protected]

Top