إشارات وجب تطويرها

ثمة إشارات لا تخلو من ايجابية لفتت انتباه الكل في المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة، ولعل أهمها أن الجميع صار اليوم متابعا لمجريات التشاور والاختلاف والاتفاق، وأصبحت الأسماء والملامح تعرف، وتفبرك أيضا، والتوقعات، كما التنجيم والاختلاق، متاحة للجميع، لكن الأساسي أننا كلنا نتابع ما يجري وما يقال، وهذا لم يكن يحدث في السابق على كل حال، ومن شأن تطوير الدينامية والأسلوب والانفتاح أن يؤسس لعلاقة جديدة بين الناس والموضوع السياسي.
وتابعنا أيضا كيف أن رئيس الحكومة المعين كان يتواصل مع الصحافيين عقب كل جلسة مشاورات مع حلفائه، ويقدم تصريحا، وهذا ما يجب كذلك السعي إلى تطويره، ومن ثم تقوية التواصل الحكومي مع الرأي العام ومع وسائل الإعلام، في إطار منظومة متكاملة تقوم على نشر المعلومة وشفافيتها، وعلى الانفتاح، وعلى حق الصحفيين والمواطنين في الخبر من مصادره.
في السياق نفسه، تابع المغاربة، عبر وسائل الإعلام، كيف أن الأحزاب كانت  في أكثر من مرة تجمع مؤسساتها القيادية لاتخاذ القرار ولبلورة المواقف، بدءا من قرار المشاركة في الحكومة الذي اتخذته الهياكل التقريرية في الأحزاب المعنية، كما أن الاصطفاف في المعارضة  اتخذته بعض الأحزاب بعد تصويت هيئاتها الوطنية، وكل هذا يبرز تحولا هاما في السلوك الحزبي، حيث لم يعد مستساغا أن ينفرد الزعيم وحده بالقرار وبالموقف، وهو تحول من شأنه أيضا الدفع بممارستنا الحزبية نحو تنظيم أمتن، ومشاركة داخلية أوسع، وبالتالي نحو تأهيل العمل الحزبي وتحديثه.
وعندما تحقق الاتفاق المبدئي بين مكونات الأغلبية الجديدة، بادر قادتها إلى توقيع ميثاق بينهم يحدد عددا من الالتزامات السياسية والعامة تجاه الرأي العام الوطني، ويقدم إجابات مطمئنة عن تجليات قلق مشروعة عبر عنها وسط المجتمع، ومن لدن نخبه الثقافية والفنية والحقوقية والإعلامية، وهذه الخطوة هي نفسها جديدة كالتزام وكتعاقد بين الأحزاب الأربعة والمواطنين، وسيتم تعزيزها بصياغات إجرائية وبرنامجية عملية وملموسة من خلال التصريح الحكومي الذي سيقدمه رئيس الحكومة المعين أمام البرلمان.
وسواء عند تهيئ ميثاق الأغلبية، أو لدى إعداد التصريح الحكومي، أو أثناء المشاورات السياسية، فان المقاربة التشاركية كانت واضحة، وسمحت للأحزاب الأربعة فعلا بالحضور والتفاعل ضمن دينامية التشاور والإعداد لتشكيل الحكومة الجديدة، والمقاربة أيضا لم تكن معهودة في السابق كأسلوب وكمنهجية وكالتزام متبادل.
إن إشارات البداية هذه معرضة للاختبار في القادم من الشهور والسنوات، وذلك من خلال حرص الحكومة الجديدة وأغلبيتها على استدامتها، وتطويرها بما يحقق صورة جديدة لمؤسستي الحكومة والبرلمان لدى الناس، وبما يجعل الأحزاب والسياسة جاذبين لانخراط المغاربة واهتمامهم.
المصالحة مع السياسة إذن هي الرهان الجوهري للمرحلة برمتها، ومسؤولية كسب هذا الرهان مطروحة على الأغلبية كما على المعارضة، وأيضا على وسائل الإعلام.
[email protected]

Top