مصر اليوم

برغم كل القلق والتخوف المعبر عنهما لدى هذا الطرف أو ذاك، فإن ترحيبا واسعا سجل على الصعيد الدولي بأجواء الانتخابات الرئاسية التي شهدتها مصر من أجل اختيار خليفة لحسني مبارك.
لقد عاشت مصر أول انتخابات تعددية، ولأول مرة في تاريخها لم يكن الفائز معروفا سلفا، كما أن الشعب المصري أقبل على صناديق الاقتراع، وأدلى بصوته، والأهم أن هذا البلد الكبير، عبر الاقتراع الحاسم من دون قتل أو سفك دماء. المصريون المعروفون ببراعة الحكي والنكتة يتداولون هذه الأيام فيما بينهم وعبر وسائل الإعلام الكثير من الإشاعات والترجيحات حول الاسم الفائز، لكن من الصعب لحد الآن التكهن، كما أنه من غير المستبعد المرور إلى دور انتخابي ثانٍ، وهنا ستكون الحاجة كبيرة إلى تقوية إقبال الشعب المصري على التصويت، وهو ما سيجعل البلد ينجح في هذه المرحلة الحاسمة من زمنه السياسي الجديد.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن التحدي الجوهري المطروح اليوم على المؤسسة العسكرية المصرية، وعلى الطبقة السياسية، هو أن يقبلا معا بنتيجة الانتخابات، وينتقل الكل بعد ذلك إلى بناء مؤسسات الدولة، وإلى مواجهة باقي الرهانات.
إن الشعب المصري، وعلى غرار نظيره التونسي، أقبل على التصويت، لأنه أحس بهبوب ريح الحرية، وبكون الصوت الذي سيدلي به سيساهم في رسم معالم المستقبل، لكن أن تتمخض هذه الديمقراطية عن تمكين القوى والأحزاب المحافظة والأصولية من الفوز بسلطة قيادة البلاد، وربما يفتح ذلك الباب أمام خطر التراجع مستقبلا عن أهداف الثورة وشعاراتها، فذلك أمر يستدعي فعلا  تفكيرا جديا وتأملا رصينا من لدن القوى الديمقراطية والمدنية، ومن طرف المفكرين والمثقفين، وذلك بغاية فك طلاسم هذه التناقضات التي برزت فيما سمي مجتمعات الربيع الديمقراطي في المنطقة.
إن مثل هذا المآل الذي تمخضت عنه الانتخابات في تونس ومصر، وإلى حد كبير في المغرب أيضا، يحتم التفكير في مستوى الارتباط بالشارع وبالناس وبالمجتمع من لدن القوى الديمقراطية والتقدمية، كما أنه يحث على الانتباه إلى العلاقة  بين النزول إلى الشارع قصد الاحتجاج ونتائج التصويت في انتخابات نزيهة، ومثل هذه المسارات تتطلب التأمل اليوم، وطنيا وعربيا، لكن بكثير من التواضع وبإعمال النقد والنقد الذاتي.
وبغض النظر عمن سيفوز بالاقتراع الرئاسي في مصر، فإن هذا البلد الغني بتاريخه وحضارته، وبشعبه وبأهمية موقعه السياسي والاستراتيجي في المنطقة، يجب أن يستعيد بسرعة استقراره وأمنه، وأن يعيد الحياة لمنظومته الاقتصادية والتجارية والإدارية، وأن ينجح في تمتين دولة القانون والمؤسسات، وفي العودة إلى أدواره الإقليمية والدولية، وهذه كلها تحديات رئيسية مطروحة على الرئيس المقبل مهما كان لونه الحزبي والسياسي، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لا يمكن أن يستمر ويتقدم إلا بحماية انفتاحه وتسامحه وتنوعه الديني والثقافي.
هذه هي مصر التي عرفها الجميع، والتي أحبها الكل.

Top