كثيرة هي الأعصاب الحساسة بل المتوترة التي لمسها موضوع «حرية الضمير والمعتقد»، فاحتد النقاش أحيانا كثيرة وعم الصمت للإنصات لأفكار جديدة تخص أحد الإشكاليات العميقة والجوهرية التي تخص ممارسة أحد الحقوق الأساسية التي تضمنها المواثيق والعهود الدولية، والتي قلما يتم مقاربتها داخل مجتمعاتنا بشمال إفريقيا والشرق الأوسط، لقد بدا الأمر داخل الندوة الموضوعاتية التي نظمتها حركة»ضمير» المغربية والمنظمات الحقوقية ببلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ترجمة لما يحيط بالموضوع من تعصب داخل المجتمع من قبل بعض الأطراف، والتي تعمل كلما أتيحت لها الفرصة على التلويح باتهامات حيال المطالبين بالتنصيص على هذا الحق وإعماله.
خلال الأربع ساعات ونصف التي استغرقتها الندوة التي شارك فيها مثقفون، أدباء ،فنانون وحقوقيون من المغرب، تونس، الجزائر، فلسطين، لبنان، البحرين، العراق، الأردن وألمانيا، بريطانيا وفرنسا، كان التوتر يرتفع أحيانا، فالأمر كان يتعلق بموضوع جريء يرتبط في العمق بفصل الدنيوي عن الديني وطبيعة الدولة، وفي بعض الأحيان بدا الأمر من خلال رد فعل بعض الحضور كأنه يمس بتنظيمات تجعل من الخصوصية مبدأ لعملها، في مواجهة فاعلين أكدوا خلال هذه الندوة على التشبث بقيم حقوق الإنسان لجميع الأفراد والجماعات، وأن تعمل الدولة على ضمان حرية الاعتقاد والممارسة الدينية للجميع».
الجامعي سعيد الكيحل:ضرورة بلورة المنتظم الدولي لأدوات قانونية وآليات مؤسساتية تخص حرية الضمير
أكد الجامعي سعيد الكيحل، أن تنظيم حركة ضمير لهذه الندوة ضمن المنتدى العالمي لحقوق الإنسان الذي يحتضنه المغرب، كبلد ذي انتماء حضاري عربي إسلامي أمازيغي إفريقي، إنما تريد من خلالها إلى تحيين النقاش حول الموضوع بين مختلف المتدخلين والمهتمين من منظومة أممية ودول وحكومات ومجتمع مدني عالمي إقليمي ووطني، وكذا التحسيس بالموضوع في فترة جد دقيقة على المستوى الإقليمي والدولي، وذلك في اتجاه تعزيز الاختيار القاضي باعتماد المرجعية الكونية غير القابلة للتجزيء مع تجديد التأكيد على حرية الضمير كحق لايقبل التصرف، فيما شدد عز الدين العلام في التوصيات التي تمخضت عنها الورشة،على ضرورة الدفع في اتجاه جعل تشبث الأفراد والجماعات أكثر من أي وقت مضى بمبادئ قيم حقوق الإنسان في مفهومها الشامل غير القابل للتجزيء باعتبارها تمثل تراكمات طموحات الأجيال المتعاقبة على مر العصور من أجل مقاومة القهر وتحقيق الكرامة للجميع، داعيا إلى ضرورة بلورة المنتظم الدولي لأدوات قانونية وآليات مؤسساتية تخص حرية الضمير تشمل ضمانات حقيقية وكاملة من أجل حرية الضمير والمعتقد، إضافة إلى حرية التدين باعتبارها شأنا إيمانيا شخصيا لاتدخل لأي فرد أو جماعة أو مؤسسة فيه كقوة قاهرة
مارسيل خليفة: لاأتصور ثقافة فاعلة دون حرية التعبير أو حرية المضير والمعتقد
الفنان مارسيل خليفة، قدم شهادة حول التضييق الذي تعرض له في بعض البلدان العربية بسبب موقفه وآرائه حول الإبداع والفكر، “لاأتصور ثقافة فاعلة دون حرية التعبير أو حرية المضير والمعتقد”.
فيما أشار المحامي هيثم منير ميخائيل الريفج من الأردن بالكثير من الأسف ،إلى “جريمة الردة التي يعاقب عليها داخل المجتمع الأردني وقد يصل الأمر إلى الحرمان من الحقوق المدنية والسياسية، بحرمانه من وثائقه والمجتمع بأسرته، ويصل الأمر إلى نزع الهوية الأردنية عن الشخص”.
هذا وكانت الشهادة التي قدمها سعيد محمد، وهو أستاذ بجامعة الحسن الثاني بالبيضاء، النقطة التي أفاضت الكأس وأدت إلى انطلاق حالة من الشد والجذب بين جانب في القاعة كان يؤكد على حرية المتدخل في التعبير، وجانب يعتبر ما جاء على لسانه تجريحا في حركة في غيابها عن المنصة”، والذي جاء على لسان محمد الهلالي عضو حركة التوحيد والإصلاح المعنية بجانب مما جاء في هذه الشهادة.
هذا وكان سعيد محمد قد أكد أن الحق الذي ليس من حق الفرد المغربي هو حرية المعتقد، مبرزا أن الولادة في أماكن معينة لايجب أن تحدد الانتماء الديني فتلك معادلة غير صحيحة، يقول المتحدث، وشرع في التذكير بالفتوى المتعلقة بمسألة الردة الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى وكيف تعامل معها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، حينما تمت مساءلته بشأنها في مجلس النواب، وكذا رد رئيس المجلس الأعلى العلمي، ليصل إلى التذكير بالمسار الذي قطعه الدستور المغربي الذي كان قد نص على الدولة المدنية وحرية المعتقد، مشيرا أن لديه وثائق تبرهن على تدخل حركة التوحيد والإصلاح ذراع حزب العدالة والتنمية للدفع في اتجاه حذف تلك الصيغة .
عروس الزبير: مسألة حرية الضمير والمعتقد في الجزائر لم نصل بشأنها إلى حد الآن إلى المواجهة الحقيقية
الواقعة التي شهدها اللقاء في بدايته، والتي طبعها الشتم والسب ومحاولة إظهار أن منظمي الندوة من الاستئصالين، كان لها وقع على المتدخلين في اللقاء، حيث استهل، الجزائري عروس مداخلته بالتفاعل معها، قائلا” إن حالة الجزائر هي تطبيق للوضع القائم لما عشناه هذه اللحظة في هذه القاعة حيث قد تتحول نتيجة لموقف أو عرض لحالة، إلى خصم ولشخص خارج الملة وخارج حتى الانتماء الإنساني للفضاء الذي تنتمي له طبيعيا وحضاريا وتاريخيا”.
واعتبر عاروس أن مسألة حرية الضمير والمعتقد في الجزائر لم نصل بشأنها إلى حد الآن إلى المواجهة الحقيقية التي تفرضها علينا اللحظة التاريخية الحالية “، معلنا أن التقرير السنوي الأخير للجنة العليا لترقية حقوق الإنسان في الجزائر الصادر سنة 2013 ، لا يشير في أي فقرة من فقراته لحرية الضمير، حيث تغاضى عما هو في الواقع، ذلك، أن هناك قضايا كبرى مطروحة في الجزائر تتعلق بمسألة التحول الكلي والجزئي من ديانة إلى أخرى، أي الانتقال من ديانة توحيدية إلى أخرى، وقد أدى الأمر أن أصبحت مناطق في الجزائر يشار لها بإشكالية التحول وتوصف بأنها مجموعة خرجت عن الإجماع الوطني القائم على الوحدة الدينية والمذهبية.
وأفاد أن أسباب هذا التحول الديني هي سياسية محضة ولها علاقة مباشرة بالقضية الفلسطينية، إذ تم التحول من العقيدة الأشعرية ذات المرجعية المالكية إلى المذهب الشيعي، وهو تحول نضالي وليس عقائدي لكونه يرتبط بما حققته المقاومة في لبنان.
كما أن هناك قضايا ترتبط بصدور فتاوي بتكفير الأشخاص الذين يوجهون انتقادات لسلوكات التطرف الديني الموجودة في المجتمع الجزائري، والتي يكون وراء صدورها الخطاب الصحفي المتداول حول هؤلاء الأشخاص، وكمثال لهذا الأمر، ما وقع لإحدى السيدات التي تنتمي لحزب سياسي غير معتمد، يسمى ” حركة بركات” والتي كانت مثار انتقاد وتهجم من طرف الصحافة الجزائرية، حينما قامت بتقييم حالة السلوك الديني المرتبط بالآذان وطالبت بضبط صوت الآذان لاغير في فترات معينة من اليوم، فكانت النتيجة صدور فتوى بتكفيرها، قائلا”إن الخطاب الصحافي الجزائري لايملك من التفتح إلا القشور، لكن في حقيقته هو دعوة إلى الظلامية الصريحةّ”.
وأضاف، أن هناك أيضا قمع تمارسه السلطة في حق كل من حاول التعبير عن رأي ديني، وكمثال على ذلك ما تعرضت له مجموعة من الشباب في الغرب الجزائري، والتي حاولت أن تعبر عن رأيها الديني من خلال ممارسات وسلوكات معنية وخاصة في شهر رمضان، فما كان من السلطة إلا أن حركت ضدها القانون الزجري، لتتحول بذلك السلطة من حامية وضامنة لحرية الضمير إلى قامعة له في هذه القضية بالذات.
علي المزغني: تكون حرية الضمير هي المنطلق إلى الإيمان أو إلى عدم الإيمان، فهي شأن داخلي باطني
أبرز أن حرية الضمير هي أصل الحريات والأفعال ،على اعتبار، أن الضمير، من وجهة نظره، هو المحدد الأول لصحة الأفعال ولتماهيها مع الشخصية الفردية، فبذلك يقول”تكون حرية الضمير هي المنطلق إلى الإيمان أو إلى عدم الإيمان، فهي شأن داخلي باطني “.
أما بالنسبة لحرية المعتقد، اعتبر أن مجال الاعتقاد هو أوسع من المجال الديني أو الإيمان الديني، مشيرا أنه رفعا لكل لبس، اختار المشرع التونسي أن تتبع حرية الضمير حرية المعتقد. وبذلك فقد حسمت المسألة بصفة نهائية على الأقل من الناحية المبدئية.
وأبرز أن الدستور التونسي سنة 1959 نص على حرية المعتقد، وكان المشرع آنذاك، يظن أن هذا الأمر كاف لضمان حرية الاعتقاد بما في ذلك حرية الاعتقاد الديني، لكن خلال صياغة الدستور الجديد سنة 2014، حينما طرحت مسألة حرية المعتقد، تم تدارك الأمر بإضافة حرية الضمير .
وأوضح أن حرية الضمير إذا ما اعتبرناها إزاء الإيمان الديني فإنها تعني للإنسان حرية اختيار الدين ،كما تعني أنه يتمتع بحق ألا يدين بأي دين كان، وألا يقع إكراهه على دين معين، وهذه الحرية تعني أيضا ممارسة حرية أن يغير الفرد من الديانة التي اختارها إلى ديانة أخرى ثانية وثالثة ورابعة.
وأكد أن حرية الضمير والمعتقد لامعنى لها إلا بالنظر إلى تبعاتها السياسية والقانونية العملية، ذلك لأن الحرية أيا كانت تتجسد أساسا في إمكانية الإفصاح بها وممارستها فعلا في المجال الخاص، كما في المجال العام، لذا فالاكتفاء بالنظر إلى المستوى الدستوري لايفي بالحاجة، ويجب أن ننزل إلى المستوى التشريعي حتى يتبين مدى احترام النظام القانوني السائد لمبدأ حرية الضمير، وسجل أنه في التشريع التونسي لاوجود لعدد من التبعات القانونية أو الشروط ، ما عدا وضعه شرط الإسلام بالنسبة لرئيس الجمهورية، و غياب التبعات القانونية لايسري فقط في القوانين الخاصة بممارسة الحقوق العامة بل أيضا بالنسبة للمجال الشخصي وخاصة بالنسبة لقوانين الأحوال الشخصية، فلا وجود إطلاقا لمفهوم الردة لا على المستوى الجنائي أوعلى المستوى المدني، ولا وجود لشيء إسمه تفريق بين زوجين ليسا من ديانة واحدة .
ففيما يتعلق بزواج المسلمة بغير المسلم و الإرث بين أهل الملتين، يبرز المتحدث أنه لاوجود لنص بهذا الخصوص، حيث كان القضاء غير مستقر على موقف معين، لكن منذ 15 سنة استقر الموقف لديه بعدم الأخذ بعين اعتبار الانتماء الديني في مسألة زواج المسلمة من غير المسلم وعدم منع الإرث بين أهل الملتين، بل وذهب الأمر بالقضاء التونسي إلى التصريح في العديد من المرات أنه ليس له ولايحق له أن يسأل المتقاضي عن انتمائه الديني.
وأرجع المتحدث الفضل فيما حققته تونس في هذا المجال إلى الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة الذي قام في أول سنة بعد الحصول على الاستقلال بتوحيد القضاء و التشريع، حيث أصبح التشريع التونسي يسري على جميع التونسيين بغض النظر عن انتمائهم الديني، إذ لاوجود لأي قاعدة أو مادة قانونية تشير مباشرة أو بصفة غير مباشرة إلى اعتبار عنصر الانتماء الديني لاكتساب الحقوق وممارستها.
محمد الصغير جنجار: المغرب تميز على مستوى الاعتراف بالحقوق والحريات وتعزيز البناء الدميقراطي وتكريس دولة الحق والقانون
في مداخلة عنونها ب”المغرب والإصلاح غير المكتمل” والتي تلاها بالنيابة عنه الشاعر صلاح الوديع رئيس حركة “ضمير”، اعتبر أن المغرب تميز مقارنة بعدد من بلدان المنطقة وما شهدته في سياق الربيع العربي، باستباقه وإقراره إصلاحا دستوريا شكل تقدما مهما على مستوى الاعتراف بالحقوق والحريات وتعزيز البناء الدميقراطي وتكريس دولة الحق والقانون، لكن هذا الدستور الجديد يبقى إصلاحا غير مكتمل بالنظر للتطور الاجتماعي الوطني ودرجة النضج الذي وصل إليه المجتمع المغربي، وبالنظر للتحديات التي عليه أن يواجهها، ولالتزامات المغرب الدولية على مستوى حقوق الإنسان.
وأشار إلى أن هذا الإصلاح ذي الطابع غير المكتمل يترجمه صمت الدستور عن أم الحريات والتي تتعلق بحرية الضمير، مسجلا أن الدستور المغربي يربط المواطنة بالانتماء الديني والثقافي، قائلا “إنه بدون حرية الضمير، فإن التدين سيصبح ممارسة جماعية إجبارية على الفرد أن ينصاع لها سواء أراد أو كره ذلك”.
ميثم سلمان: الاستبداد الديني والسياسي هما نوعان من جنس واحد.
استهل ميتم سلمان المسؤول عن قسم الحريات الدينية في مرصد حقوق الإنسان بالبحرين، تدخله بتقديم مجموعة من التوضيحات، أفاد فيها أن الدين طوال التاريخ تم توظيفه من قبل الاستبداد السياسي، والاجتماعي، وكذا من طرف بعض الجهات التي تحتكر التمثيل الديني في بعض المناطق والدول، حيث أسيء للدين من قبل كل تلك الأطراف، بما فيها الجهات الدينية ذاتها، يقول المتحدث.
وأضاف،على أن رفض الاستبداد الديني والتدخل في الحريات الشخصية والاضطهاد الذي يقع على الأقليات في مختلف دول العالم، لايشرعن الدخول في تحالف مع الاستبداد السياسي، مشيرا أن الاستبداد الديني والسياسي هما نوعان من جنس واحد.
ورفض ميثم سليمان تفسير أو ربط ما تعرفه المنطقة العربية بالمؤامرة الخارجية وتورط جهات دولية في تبلور وانتشار حركات متطرفة باسم الدين، قائلا”يجب أن نعترف ونصارح أنفسنا على أن فهم وتعريف الدين الذي يتم في منطقتنا هو الذي شرعن الاضطهاد والتمييز كما شرعن الإرهاب، وأدى إلى انتشار كل تلك المظاهر التي تعود بالسوء علينا جميعا”.
كما ربط تلك الظواهر أيضا بالاستبداد السياسي الذي لازال في الدول التي وصفها بالمتخلفة والتي تستمر في التدثر بثوب البداوة السياسية وترفض الانتقال إلى الدولة المدنية الحديثة، وهي دول تستغل الدين والخطاب الديني لإضفاء الشرعية على الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان بها.، حسب ما أفاد به.
وأعتبر من جانب آخر، أن إلغاء التمييز الفاحش والمتعدد الأوجه في المجتمعات العربية، سواء تعلق الأمر بالتمييز الجنسي، أوالقبائلي والمناطقي والديني والمذهبي، لايمكن أن يتم إلا بتعزيز المواطنة المتساوية في بلدان المنطقة،مستطردا بامتعاض شديد قوله” لاتوجد مساحة في دولنا للمواطنة المدنية التي تنظر إلى المواطن بنظرة منحه الحقوق وفرض الواجبات الوطنية عليه،بمعزل عن خلفيته الدينية و المناطقية أو خلفيته العرقية”مشددا على الحاجة لتعزيز المواطنة المدنية .
ودعا المتحدث العرب إلى مصارحة الذات، بالنظر بإمعان إلى الواقع الذي يشهده العالم العربي، مشيرا أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشهد واقعا مخيفا يتطلب تكاثف جهود الجميع، بغض النظر عن الدين والإيديولوجية والخلفية الاجتماعية، قائلا”كلنا في حاجة إلى التكاثف في هذه المرحلة لمواجهة هذا الطاعون الفكري الذي سوف يطغى على مفاهيم السلام والأمن والمحبة والرحمة، وهي المفاهيم التي دعت إليها جميع الأديان”.
وسجل محذرا على أن المدارس الظلامية والمتشددين الذين يكفرون من يختلف معهم في الرؤية المذهنية قد تجاوزوا هذا التكفير المذهبي إلى مستوى السعي الفعلي لإلغاء المختلف عنهم عن الخارطة السياسية والثقافية في المنطقة، موجها نداء بالقيام بوقفة صريحة وجادة لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد الجميع، واعتبرأنه من الاستغباء أو الغباء التساؤل عن مصدر قوة داعش وغيرها من التنظيمات التكفيرية التي تؤمن بانتهاج العنف والإرهاب وسيلة لتحقيق غايتها المشؤومة في أوطاننا، ذلك أنها تتغذى من تلك الفتاوى التي توجد في بعض الكتب، وترجع إلى بعض المرجعات الدينية التي تمنحها الشرعية للإقدام على تلك الجرائم .
وقال في هذا الصدد”إن هذه المسألة إذا تم النظر إليها من جانب التحليل النفسي الثقافي لاتخضع فقط للعوامل الاقتصادية الضاغطة ولمستوى الإحباط، فبالنسبة للشباب في المغرب العربي يتطلع أكثر من غيره لعيش أفضل ولاتعطى له الفرصة المواتية التي تمنح إلى الشباب في دول الخليج العربي، فعدد الانتحاريين الذين يخرجون للالتحاق بالتنظيمات المتطرفة ينتمون لدول الخليج العربي.
واعتبر الأمر ليس صدفة، بأن يكون عدد من الانتحاريين الذين أقدموا على جريمة 11 من شتنبر بالولايات المتحدة الأمريكية، وعدد المقاتلين الذين خرجوا للانضمام إلى تنظيم داعش، هم ينتمون لدول الخليج، وربط الظاهرة بالانتشار الواسع في بلدان المنطقة للفتاوى التكفيرية والفتاوى التي تعزز من خيار القتل للوصول إلى الجنة في أذهان شباب هذه الأمة، والتي لاتخرج بعيدا عن تلك الرقعة، معبرا عن الأمل في أن يتم وقف تصدير تلك الفتاوى للشباب في بقية أقطار الشرق الأوسط وبقية بلدان المغرب العربي.
وحتم ميثم سلمان تدخله بالدعوة إلى الالتفات إلى حقيقة كبرى، والتي حملها كلام مأثور لأحد أساتذة التصوف حينما قال مرة “من السهل أن تصبح مسلما ومن الصعب أن تصبح إنسانا، أن تصبح إنسانا معناه أن تعيش مضامين القيم الجمالية في الوجود وأن تكون تجليا للرحمة والرأفة وللحنان وللتآلف، فنحن بحاجة لصناعة أنسنة الإنسان المسلم ولصناعة الإنسان الذي يعيش هذه القيم الجمالية فيكون تجليا لرحمة الله في الأرض”.
كيرشنر تورشتاين: نموذج فصل الدين عن الدولة في ألمانيا مختلف عما هو في فرنسا
في عرض له بعنوان “الدولة والمؤسسة الدينية، ضمانات حرية الضمير والتدين” ذكر بالتطور التاريخي للعلاقة بين الكنسية والدولة في ألمانيا، ثم أبرز أن الدستور الألماني يتحدث عن حرية الضمير التي لها معاني متعددة، فقد تكون سلبية بمعنى قد يغير الشخص دينه، وهذا الجانب السلبي يوجد ضمن حرية الاعتقاد المنصوص عليها دستوريا.
وأفاد أن نموذج فصل الدين عن الدولة في ألمانيا مختلف عما هو في فرنسا، ذلك أن الدستور ينص صراحة عن أن الكنيسة ليست تابعة للدولة، وهي محايدة، بل ويمكن للكنيسة الإجابة عن العديد من الأسئلة التي يطرحها المجتمع المدني.
أما بالنسبة للائكية أو العلمانية، فيتم التطرق لها في ألمانيا بشكل مختلف في العمق، حيث من الممنوع أن يعبر أو يظهر انتماءه الديني، مشيرا أن التفاعل الإيجابي في ألمانيا بين السلطة والمؤسسات الدينية.
عبد الصمد الديالمي : لايجب أن تتبنى الدولة أي دين، في حين من الممكن أن يتم تحديد دين مجتمع
دعا إلى اعتماد نظام حر للتعليم وذلك من أجل تجاوز الطابع المزدوج الذي يميز النظام التعليمي الحالي بالمغرب والذي يخلط بين المعتقد والمواطنة، مؤكدا أن إصلاح منظومة التعليم يجب أن يجعل مجموع الأديان في خدمة المدرسة العمومية بإشاعة قيم التسامح والتضامن، معتبرا أن حرية الضمير هي التي بإمكانها أن تؤسس لمدرسة عمومية تستجيب لمبادئ الإنصاف والمساواة .و شدد في تدخله الذي حمل عنوان”حرية الضمير والمنظومات التربوية”على ضرورة أن يكون تعليم الدين في المدرسة العمومية اختياريا وليس إجباريا، وأن يتم في تدريس الدين اعتماد مقاربة تنبني على العلوم الإنسانية والتاريخ، بحيث تنصب الدروس على تاريخ الأديان، وعلم الاجتماع الديني، والاقتصاد في الأديان.
هذا على أن يتم السماح لمعتنقي كل ديانة أو مذهب إحداث مدارس دينية كمدارس خاصة، على أن يتم مراقبة محتوى المواد التي تدرس بها، وأن يتم إلزامها بصناعة مؤمن متسامح لايعتبر نفسه أفضل من الأخرين ويمكن له أن يسيطر عليهم بإجبارهم على تغيير دينهم أو قتلهم، بل على العكس يجب أن تعمل على صناعة فرد يحمل القيم التي تدفع في اتجاه احترام باقي الديانات، أي امتلاك هوية في ألان ذاته متعددة ومتضامنة، وليس هوية فردانية ومقاتلة.
واقترح لتحقيق حرية الضمير والمعتقد بالنسبة لحالة المغرب، الاقتراب في مرحلة أولى من النموذج التعليم في بريطانيا والذي ينبني على التوافق بحيث هناك تعايش بين المدارس العمومية غير الدينية والمدارس الدينية في نظام التعليم العمومي، على أن يتم في مرحلة ثانية الأخذ بالنموذج الفرنسي بحيث يتم علمنة التعليم العمومي بشكل كامل، وفي ذات الوقت إخضاع التعليم الديني لخوصصة كاملة.
وخلص د.الديالمي، إلى أنه لايجب أن تتبنى الدولة أي دين، في حين من الممكن أن يتم تحديد دين مجتمع، مشيرا بتقديمه لنموذج المغرب “أن أغلب المغاربة مسلمين لايعني أن الإسلام يجب أن يبقى دين الدولة، كما أن مسألة أن الإسلام دين دولة لايعني فرض اعتناقه على جميع المغاربة ضد إرادتهم، فالإيمان أمر شخصي وهو ليس نتيجة للقانون أو التاريخ بل هو نتاج اختيار شخصي وهو التعبير الأسمى لحرية الضمير والمعتقد”
ستيفان كارترمن: حرية المعتقد حق أساسي
أكد على أهمية جماعات وآليات الضغط والتي يمكن تحريكها للدفع في اتجاه اعتماد حرية الضمير ،مشيرا في هذا الصدد إلى ما تتضمنه المواثيق الدولية والآليات المتوفرة عالميا، للضغط على الدول من أجل تنفيذ التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان التي هي حقوق مترابطة، خاصة وأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يضمن هذا الحق، الذي قدم له في المادة 18، منه تعريفا (للحق في حرية الضمير )، بحيث يشمل حرية العقيدة والفكر والدين و الحق في أن يكون لك إيمان أو دين والذي يتضمن أيضا الحق في تغيير الدين أو أن لايكون لك، كما يشمل حرية التعبير أو ممارسة الدين وأن تقوم بذلك بشكل فردي أو جماعي.
وأكد أن حرية المعتقد هو حق أساسي، ذلك أن حرية الضمير من خلال العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حق لايمكن للدول أن تعطله، وحتى إن تحدث العهد الدولي عن الحرية في الدين قد تكون مقيدة في بعض الحالات، أما الحق في الإيمان حق لايمكن تعطيله،مستطردا بالقول ،لكن مع ذلك تحيط به الكثير من الأخطار، إذ بالرغم من أنه حق أساسي لكن هو حق قد يقع تحت التهديد، مثلا حاليا نجد داعش التي تريد فرض إيمانها على الآخرين، كما أن هناك دول عديدة فيها موانع كثيرة للحديث عن الدين،
داعيا من جانبه إلى التعبئة والتضامن للدفاع عن هذا الحق الذي يوجد حاليا تحت التهديد، والعمل على إيصال جميع الشكاوى التي تخص منع ممارسة هذا الحق للمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالموضوع، والذي يمكن أن تشكل زيارته وتقريره بشان البلد المعني شكلا من أشكال الضغط .
إدريس عودان: حرية الضمير والمعتقد تكون أكثر تحررا في الدول الأكثر ديمقراطية
اعتبر الجامعي ادريس عودان، الذي عبر في البداية عن تخوفه من أن تبقى حريات الاعتقاد والضمير آخر الحريات التي لاتتم رقابة عليها ،(اعتبر) أن مسيرة ترسيخ الإنسان التي بدأت منذ 66 سنة بإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،إلا أن حرية المعتقد والضمير ماتزال تجر أذيالها، ورد عدم التزام الدول بتفعيل هذا الحق وضمانه إلى غياب آليات ملزمة، إذ بالرغم من تنصيص الإعلان العالمي بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد،إلا أنها تبقى مجرد توصيات لاتلزم الدول المخاطبة بها، يسجل المتدخل.
وأضاف مسجلا، أن حق المعتقد أو حق الضمير وردت في هذه الوثيقة الملزمة لكن للأسف أقصى ما يمكن أن يقدم للضغط الدول التي تنتهك هذه الحقوق هي تقارير حول أوضاع حقوق الإنسان بها، والتي” تبقى مجرد تقارير لاتردع أحدا لأنها ليست عقوبات بل مجرد انتقادات توجه لهذا البلد أو ذاك”،يقول ادريس عودان.
كما أشار إلى مشكل التحفظات التي منح القانون الدولي للدول حق وضعها على مواد الاتفاقيات أو العهدو الدولية، قائلا، بهذا الخصوص “إن أكثر المواد التي أبدت الدول حولها تحفظات تتعلق بحرية الضمير والمعتقد، ذلك أن حتى الدول الشيوعية آنذاك كانت قد وضعت على مجموعة من مواد تلك الإعلانات عددا من التحفظات، مبررة الأمر بأنه يرتبط بإشكالات من شأنها أن تزعزع الاستقرار في دولها”
وأبرز أن حرية المضير والمعتقد تكون أكثر تحررا في الدول الأكثر ديمقراطية، مشددا على الدور الهام للدولة في الرفع من مستوى الحقوق والحريات، داعيا فيما يتعلق بالمستوى الوطني أن تقوم البلدان بإعادة النظر في دساتيرها التي لاتضمن ممارسة هذا الحق.
على أن يتعبأ المجتمع المدني للدفع في اتجاه اعتماد هذا الحق، والضغط من أجل إلغاء آلية التحفظات التي تخل بالضمانات الموجودة في المواثيق الدولية، والدفع في اتجاه توسيع اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية التي لعبت دورا أساسيا في أقل من عقد في تغيير عقليات قادة العالم، لتشمل مجال حرية المعتقد، والاقتباس الجوانب الإيجابية من التجارب المقارنة في التعامل مع حرية الضمير والعقيدة، سواء في أوروبا التي وضعت ميثاقا خاصا بحقوق الإنسان وأنشأت محكمة أروبية تختص بتفعيله،وكذا نموذج حقوق الإنسان بأمريكا اللاتينية.