جمعيات نسائية تدعو إلى فتح نقاش «هادئ ومسؤول» حول مقتضيات الإرث بناء على مبدإ العدل في الإسلام ومقتضيات المساواة في الدستور
أكدت فاعلات في الجمعيات النسائية، يوم أمس بالدار البيضاء، أن التقرير الموضوعاتي الأخير الذي أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول “وضعية المساواة والمناصفة بالمغرب: صون وإعمال غايات وأهداف الدستور”،يعد الأول من نوعه كتقرير لهيئة دستورية مستقلة يتطرق لأوضاع النساء بمقاربة ترمي إلى إعمال مبدأي المناصفة والمساواة اللذين نص عليهما الدستور.واعتبرت ممثلات الجمعيات النسائية (فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، والجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد النساء، واتحاد العمل النسائي، وجمعية جسور ملتقى النساء المغربيات، والجمعية الديمقراطية لنساء المغرب فرع الدار البيضاء)، المشاركات في ندوة صحفية عقدنها يوم أمس ليعرضن مواقفهن من التقرير، أن هذا الأخير جاء ليلخص مجموعة من التراكمات المسجلة في مجال النقاش المجتمعي حول قضايا النساء بالمغرب، مرتكزا على التقارير والدراسات والملفات المطلبية للحركة المدنية الفاعلة في مجال الدفاع عن حقوق النساء، وكذا على تقارير المؤسسات الوطنية وعلى رأسها المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وغيرها. ومن تم يمكن اعتماده كوثيقة مرجعية سلطت الضوء بالتفاصيل والأرقام على مظاهر الحيف والتمييز التي تعاني منها النساء المغربيات في جميع المجالات.
واستنكرت المتدخلات الهجوم الذي تعرض له المجلس على إثر إصداره للتقرير، على خلفية تضمينه توصية من أجل إعمال مبدإ المساواة في ما يتعلق بالمقتضيات التشريعية الخاصة بالإرث. واعتبرن أن محورة النقاش حول التقرير في مسألة الإرث يعد محاولة من عدد من “حراس المعبد”، كما أسمتهم فوزية العسولي، رئيسة فيدرالية الرابطة لحقوق المرأة، من أجل غض الطرف عن باقي التوصيات المهمة التي جاء بها التقرير، وكذا تكميم الأفواه الرامية إلى فتح النقاش المجتمعي الحقيقي حول سبل تفعيل المقتضيات الدستورية الواضحة عن المساواة والمناصفة. واعتبرن أن المجلس “فتح هذا النقاش ليستمر”، وأكدن على عزمهن وضع برنامج مشترك من أجل الدفع به.
وشددت الفاعلات الجمعويات على أن الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية للنساء، هي بمثابة كلّ لا يمكن أن يتم تجزيئه بحجة الحديث عن الأولويات. وأشرن أن الحرمان الذي عانت منه النساء في مجال المساواة مع الرجال في الاستفادة من الأراضي السلالية، شكل إقصاء لهن من حقهن الشرعي في الأرض، وفي نفس الوقت عمل على تشريد آلاف النساء والزج بهن في مدن الصفيح وبين براثن الفقر والهشاشة، هن وأسرهن. علما، وكما تقول المتدخلات، أن الواقع المجتمعي اليوم يحمل النساء مسؤولية كبيرة في الميزان الاقتصادي والاجتماعي، بما أنهن يشكلن، بالأرقام، قوة عاملة مهمة في جميع القطاعات، ويتحملن مسؤولية إعالة أسرهن. وبالمقابل تجدهن الحلقة الأضعف فيما يتعلق بالاستفادة من الحقوق وبالمساواة فيها، إذ يشكلن أكبر نسبة من الذين يعانون من الأمية، ومن البطالة، ومن الترقي في السلم المهني والاجتماعي، ومن الاستفادة من المشاريع الاقتصادية ومن مصادر الثروة بصفة عامة.
وذهبت المتدخلات أبعد من ذلك عندما أشرن إلى أن القانون اليوم يلزم النساء بالإنفاق على الأسرة وعلى بيت الزوجية في بعض الحالات، في حين يكون مصيرهن التشرد هن وأبناؤهن والطرد من بيت الزوجية في حال وفاة الزوج أو إجراء الطلاق. وأشرن أنه حتى في ظل المقتضيات القانونية الحالية المتعلقة بالإرث فإن نسبة قليلة فقط من النساء هن اللواتي يتمكن من الحصول على حقهن الشرعي كما تنص عليه الشريعة الإسلامية، وذلك في ظل سيطرة العقلية الذكورية على العلاقات الأسرية والتحايل الذي يعرفه تطبيق القوانين.
واعتبرت المتدخلات أن من يرفعون سيف التهديد والترهيب في وجه من يناقش مسألة الإرث يتجاهلون أن الإسلام جاء بمنطق العدل والإنصاف في المقتضيات التي نص عليها بشأن الإراثة، حيث كانت تلك المقتضيات أيضا بمثابة ثورة على وضعية النساء اللواتي كن يورثن بدورهن كمتاع قبل الإسلام، ونقلهن الشرع آنذاك إلى وضعية مريحة في ظل مجتمع تميز بالأسرة الممتدة وبحماية النساء والأطفال في ظل تلك الأسرة.. ومن تم فإن الإسلام لم يبن الإراثة على منطق تفضيلي ذكوري بقدر ما جاء ليحقق العدل في ميزان مختل. وأضافت المتدخلات أن الشرع نص أيضا على توريث المرأة نسبة أكبر من الرجل تصل إلى الضعف في عدد من الحالات. وكل ذلك تكريسا لمبدإ العدل الذي لم يعد معمولا به في مجتمعنا الحالي حيث أصبحت للنساء أوضاع أخرى تجعلهن يعانين من الحيف في أسرة ومجتمع يعطين فيه أكثر مما يأخذن.
وخلصت المتدخلات إلى أن تقرير المجلس الوطني جاء ليجدد النقاش الذي كانت قد بادرت إليه الجمعيات النسائية منذ سنة 2007، ودعين إلى ضرورة تفعيل هذا النقاش بجدية وهدوء ومسؤولية، والارتفاع به عن المنطق السياسوي الضيق إلى منطق إعمال دستور 2011، والالتزام الحقيقي بما نص عليه من ضرورة عمل الدولة على حظر التمييز وتكريس العدالة الاجتماعية والمساواة والمناصفة، وفي إطار احترام المشترك الذي هو الإسلام المتعدد المنفتح والقائم على مبدإ العدل والإنصاف.