التواصل الإلكتروني بات يهدد كل الأنشطة التي تقوم على الفرجة المباشرة
يتحمل الكاتب المسرحي عبد المجيد فنيش مسؤولية ضمن لجنة انتقاء العروض المبرمجة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح، التقيناه بمناسبة هذا المهرجان، وكان لبيان اليوم حوار معه.
> بعد مرور مائة سنة على عمر المسرح المغربي، كيف هو وضعه الآن؟
المسرح المغربي يحاول أن يواكب المستجدات، وهي مستجدات مجتمعية أساسا، وبالتالي كان عليه أن يختار أساليب تستجيب لهذه المستجدات، من خلال اللغة التواصلية التي أصبحت اليوم سائدة من غير اللغة المألوفة، ومن خلال وسائط الاتصال كذلك، بمعنى أن المسرح المغربي الآن يبحث عن شكل قد يلائم الذهنية الحديثة، وهي ذهنية شبابية أساسا، بحكم أنه حتى الهرم السكاني قاعدته شبابية في الأصل، ولذلك لا غرابة أن نلمس هذا النزوع الكبير في مشهد المسرح المغربي من حيث الإبداع، هذا النزوع نحو البحث عن أشكال تحاول أن تقطع -إذا صح هذا التعبير- مع الأشكال التي يسميها البعض تقليدية. لكن الجميل في
المشهد المسرحي المغربي رغم هذا الزخم من المعطى الجديد، الذي في عمره عشر سنوات والذي يقوده جيل من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، هو أن المشهد المسرحي المغربي يحاول الاحتفاظ كذلك على ذلك التنوع في الاختيارات الإبداعية، لكن بالنسبة للمهرجان المسرحي القائم على التنافس وعلى إظهار إمكانيات تجاوز ما هو قائم، يبقى الحاضر فيه بقوة هو هذا المنحى الجديد.
> ما هي قراءتك الخاصة للعروض التي قدمت ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح؟
< شخصيا كعضو في لجنة انتقاء العروض المبرمجة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح، وجدنا صعوبات كبيرة في الوصول إلى تشكيلة اثني عشرة فرقة مشاركة. لكن سعينا إلى أن يكون معيار الجودة هو الأساس، ثم أن نشكل في حدود الإمكان ملامح المشهد المسرحي المغربي، بتنوع اختياراته، لذلك يجد البعض أن الصالون حاضر في هذا المهرجان إلى جانب أعمال تجريبية، كما هو الحال بالنسبة لعرض "نايضة" الذي يندرج ضمن اختيارات أخرى لا علاقة لها بالعروض الأخرى، لكل عمل اختياراته الخاصة، الأساسي بالنسبة إلي في المسرح المغربي، هو هذا التنوع، هل يحترم خصوصيات كل نوع على حدة؟ بمعنى أن الإشكال الذي كنا نعاني منه في السابق هو إشكال الأسلوب، الآن يمكن أن نتحدث عن أن كل مبدع يشتغل على أسلوب معين، يحاول أن يصل إليه بأدوات تناول هذا الأسلوب إلى أقصى ما يمكن، الصالون له آليات أسلوبه، رأينا نماذج منها مثل عرض "ضيف الغفلة"، و"ثلاثة براكة"، وكذلك من خلال "قنبولة"، محاولة توظيف التراث في المسرح بأسلوب يحاول أن يبقى في شكل تقليدي، ولكن بنفس مجدد في نفس الوقت، رأيناه في عرض "هي والقايد"، ورأيناه في أسلوب يبحث عن أشياء جديدة كليا: "نايضة"، "التلفة"، "واحد جوج ثلاثة".. وأعمال أخرى لا تحضرني الآن. الأساسي من خلال الخلاصة التي يقدمها المهرجان باعتباره تتويجا لموسم هي أن المشهد المسرحي المغربي يتسم بالتنوع، الآن السؤال هو كيف يمكن أن نصل إلى الإتقان في هذا التنوع؟ الملامح يمكن القول إنها بدأت تكتمل.
> ما مدى مواكبة النقد للعروض المسرحية؟
< كنا نشكو في وقت من الأوقات من نقد أدبي، الآن يمكن لنا أن نتحدث بكل اعتزاز قياسا إلى العالم العربي، لأن النقد المسرحي المغربي عمل كثيرا من أجل أن يخرج من نطاق التناول الأدبي ليصبح نقدا ينصب على ما هو جمالي وتقني. الإشكال الحاصل عندنا الآن هو أن المواكبة الصحافية التي كانت في فترة ما إخبارية وفي نفس الوقت تعطي قراءة أولية للعروض هي قليلة الآن، لسبب رئيسي هو أن وسائط الاتصال الجديدة بدأت تنوب عن الصحافة الورقية التي كان يقوم بها متخصصون في القراءة النقدية المسرحية، الآن الأسماء قليلة جدا هي التي ما زالت تمارس في الصحافة الورقية مع تدفق كبير في وسائط الاتصال من قبيل الفايسبوك وغيره، وهي التي تصنع الآن الأذواق، بمعنى أن ما يكتب على مجموعة من الأعمال المسرحية، في وسائط الاتصال الاجتماعية، يفوق بعشرات الآلاف ما يكتب كقراءات نقدية عالمة معتمدة على أدوات للقراءة المنهجية أساسا. الخطر كل الخطر أن تصبح تلك القراءة الانطباعية في وسائط الاتصال هي التي تصنع الأذواق بدل أن تصنعها القراءة العالمة من خلا القراءة النقدية الحقيقية.
> هل يمكن الحديث عن مصالحة حاليا بين قاعات المسرح والجمهور؟
< الحديث عن المصالحة يظل نسبيا، مصالحة أي جمهور مع أي مسرح؟ بحكم أن الجمهور هو جماهير، أنا تحدثت في البداية عن التنوع وهذا التنوع بالتالي يخلق جمهوره الذي يناسب كل نوع على حدة بمعزل عن الآخر. وبالتالي يمكن الحديث في العموم، فمثلا مسرح الصالون الذي تقوده مجموعة من الفرق التي تشتغل بنجوم كرسها الإعلام أساسا وتذهب إلى مسرح اجتماعي يعتمد على الكوميديا، هذا مسرح له جمهوره الذي ظل وفيا له، وهو الجمهور الوحيد الذي يؤدي التذكرة. جمهور ما يسمى بالنخبة، الجمهور الذي يراهن على الشكل وعلى الجماليات، على الخطاب العميق، هو جمهور نخبوي، نحن لسنا أمام نخبة واحدة، نحن أمام نخب، هناك تجارب مسرحية تقدم في قاعات شبه فارغة، رغبة من طاقم العمل، أعمال لم تعد تعجبها القاعة لتقديم العرض، فأصبحت تختار الخشبة باعتبارها محلا يتقاسمه الجمهور مع الممثلين، هناك نخبة القاعة الصغيرة، وهناك نخبة مسرح الهواء الطلق، بقدر ما هناك تنوع في الأعمال بقدر تنوع الجمهور، أصبح من الصعب الحديث عن مصالحة عامة، بقدر ما يمكن الحديث عن نسبية في المصالحات، إن صح هذا التعبير. يجب التمييز هنا بين جمهور المهرجانات وجمهور الحياة اليومية المسرحية. المهرجانات لها جمهورها. في ذهنيتنا أن مسرح الجمهور العريض الذي يقوم على الكوميديا وعلى مخاطبة أوسع الفئات. غالبا ما يقدم خارج المسابقات الرسمية بالمهرجانات. إذن، هي ثقافة مغربية على هذا الشكل، يجب أن نطورها وأن نجد لها آليات أخرى لكي تترسخ بشكل أكثر فعالية.
> ما هي نظرتك المستقبلية للمسرح المغربي في ظل هذه التحولات التي طرأ ت على وسائط الاتصال؟
< أعتقد أن المسرح المغربي يتجه نحو مسرح قصير في مدته، المسرح يجب أن يعتمد بالضرورة على أدوات غير التشخيص، المسرح بدأ يتجاوز النص المسرحي، في المغرب بدأ الحديث عن ما بعد الدراماتورجيا، يعني أن النص لم يعد هو المقوم الحقيقي للعمل المسرحي، هذا على مستوى الإبداع، أما على المستوى الهيكلي التنظيمي، يمكن القول إن المسرح المغربي بدأ يتمكن من آليات البقاء حيا، من خلال تجربة الدعم، التي أضافت الكثير من المجالات، منها مجال الجولات والإقامة الفنية والتأليف المسرحي، وورشات التكوين، وتجربة التوطين في القاعات، وهي تجربة أولى في سبيل إحداث فرق مسرحية جهوية، يمكن القول إننا نذهب في الاتجاه الصحيح، ونزداد طمأنينة حينما نعلم أنه حتى الإمكانيات التي كانت تخصص منذ سنتين لهذا القطاع بكامله من طرف وزارة الثقافة، حاليا تمت مضاعفته بنسبة أربع أو خمس مرات، بمعنى أن المسار الهيكلي التنظيمي، بدأ يأخذ طريقه، بوجود نقابات ووزارة تحاور هذه النقابات باعتبارها ممثلة للقطاع المسرحي، وكذلك بوجود -وهذا أمر مهم جدا- وحدات للتكوين ومراكز للبحث قائمة للذات، ومنها الآن ما أصبح ذا طابع دولي، كما هو الحال بالنسبة لمركز البحوث ودراسات الفرجة بطنجة، بالإضافة إلى الوحدات المتخصصة في الدراسات المسرحية، في جل الكليات بالجامعات المغربية. الإشكال الحقيقي الآن، هو منافسة التواصل الإلكتروني للفرجة المباشرة بقاعات المسرح، هذا هو الذي يهدد، ليس المسرح فقط، بل كل الأنشطة التي تقوم على اللقاء الحي.