استطاعت الحلقة الأخيرة من برنامج «حوار» على القناة الأولى، أن تعطي الدليل على قدرة الموضوع السياسي على أن يكون جاذبا لاهتمام الناس، وعلى وجود سياسيين بإمكانهم إنجاح لحظة تلفزيونية، بما يتطلبه ذلك من شروط في اللغة والخطاب وفي مضمون الأشياء وفي أشكال التعبير عنها.
الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نجح في تكسير هياكل لغة الخشب، واختار من البداية اعتماد الوضوح في تسجيل المواقف، وفي تقديم حزبه وأفكاره، وهو الوضوح الذي مكنه من إنتاج «حضورية» قوية، نوهت بها الكثير من المتابعات الصحفية.
لم يتردد نبيل بنعبدالله في إبراز تجليات الاعتلال في حقلنا السياسي، وقال إن كل تصور فوقي لصياغة مشهد سياسي على المقاس لن يؤدي سوى إلى الكارثة، وكان الوضوح هنا متسيدا في عمق الكلام، وكانت الرسالة على ذات الدرجة من الوضوح أيضا.
صاح بنعبد الله في وجه البشاعة التي باتت تتربص بالسياسة عندنا، وقال بأن الترحال البرلماني هو من فعل فاعل، وهو نتيجة ضغوط مختلفة، وحذر، في سخرية قاسية، من أن يتحول التصويت على الميزانية في البرلمان بدوره إلى ذات البشاعة، ويصير بمقابل أو برشوة، وهنا من جديد كان «الميساج» جليا، وكان التحذير مبررا بالمخاطر التي تمثلها العقلية المشجعة على الترحال، وبتهديد ذلك لكامل التجربة الديمقراطية المغربية.
لقد نجح نبيل بنعبد الله في إعطاء الدليل على أن حزبه، الذي يستعد لتخليد عامه السابع والستين، يمثل فعلا مدرسة لها تميزها في المعمار السياسي والحزبي الوطني، وقد برهن على هذا، لدى حديثه عن تصور حزبه للتحالفات، وأيضا للإصلاحات السياسية ، وحتى لما أجاب عن الأسئلة المتعلقة بالقضية الوطنية، وبالأحداث الجارية حاليا في العيون …، وكان الدرس هنا أن المغرب في حاجة فعلا إلى الأحزاب الحقيقية الحاملة لأفكار، والحاضنة لنخب لم يقطر بها سقف السياسة، أو أنها نتاج ترحال أو عبث انتخابي بلا معنى.
لقد نجحت حلقة «حوار» في تقديم مثل هذا «البروفيل»، وساعدها على هذا النجاح وجود ضيف أبدى تفوقا في الحضور التلفزيوني، وأيضا في قوة الأفكار والإشارات والرسائل التي وجهها للطبقة السياسية.
وهنا أيضا «ميساج» آخر، يتعلق بضرورة الحرص على إبراز سياسيين بإمكانهم إنجاح الحوار السياسي التلفزيوني، وبالتالي المساهمة في تعزيز الثقة في كون السياسة يمكن أن تكون جدية وليست ماسخة، وتكون نبلا وليس ارتزاقا أو ترحالا أو تجردا من القيم ومن المبادئ.