سقطة «إلباييس»

مرة أخرى ترتكب الصحافة الإسبانية سقطة أخرى في علاقتها بالمغرب وبالشأن المغربي، ومرة أخرى تجد نفسها أمام السؤال المهني والأخلاقي عارية إلا من عقلية استعمارية لا تستطيع أن تخفيها.
صحيفة «إلباييس» سمحت لنفسها أن تخصص افتتاحية يوم الجمعة الماضي لتوجه «النصيحة» للمغرب، مطالبة ملكه بإلغاء الفصل 19 من الدستور المغربي، ومعتبرة أن هذا الفصل بالتحديد «يعطي للملك سلطات فوق القانون تجعل منه ديكتاتورا»، ثم تزيد لتطالب، بصيغة هي أقرب إلى الأمر، «باغتنام الفرصة التي قدمتها له إسبانيا لمساعدته على القيام بانتقال نحو الديمقراطية».
الفقرتان المشار إليهما كافيتان لإبراز الطبيعة الاستعلائية والمهينة لافتتاحية الصحيفة الإسبانية، وتجعلنا نعيد طرح السؤال حول القصد والغاية من هكذا كتابة رعناء؟.
لقد نسي كاتب الافتتاحية المعنونة بـ»السيادة والحكم» أن المغرب بلد ذو سيادة أولا، وشعبه هو المسؤول عن اختياراته الديمقراطية ومساراته النضالية ولا يربط ذلك بحسابات أو رغبات أو أمراض أوساط أجنبية.
أن يغير المغاربة الفصل 19 من الدستور أو يدعونه أو يبدلوا دستورهم كله، فهذا أولا شأنهم، وشأنهم وحدهم، وإصرار أوساط إسبانية على التدخل في ذلك هو من قبيل أنماط التفكير العتيقة التي لا تزال ملتصقة ببعض العقليات، وتجعل جارنا الشمالي مريضا ببقايا فرانكو.
وعندما يرد في الافتتاحية نفسها أن «المغرب هو البلد العربي  الوحيد الأكثر استعدادا لاستكمال الانتقال إلى الديمقراطية بطريقة سهلة نسبيا، حيث أن هناك أحزابا وانتخابات وشيئا من حرية التعبير…»، فإن الكاتب ينسى مرة أخرى أن كل هذا تحقق بفضل نضالات الشعب المغربي وقواه الأساسية، ومن دون أن يحتمي بـ»مظلة إسبانيا» ولا طلب مساعدة أو مرافقة من ساستها.
الكتابة جاءت هذه المرة طافحة بسوء النية، وباحتقار واضح للمغاربة، واللغة كانت أقرب إلى الأوامر المباشرة وإلى بذاءة التعبير، كما أن «إلباييس» ارتضت لنفسها أن تكون بوقا لأوساط لم تذكرها بوضوح، لكنها باتت في السنوات الأخيرة معروفة، وهي أوساط رجعية ومحافظة تصر على جر إسبانيا إلى الخلف، أي إلى عقلية الهيمنة والاستعمار.
الأفواه والأقلام تتحرر عندما يتعلق الأمر بإعطاء دروس للمغرب في الديمقراطية وفي أشكال التدبير السياسي الداخلي، لكن عندما يتعلق الأمر بالعنصرية التي يعاني منها مغاربة فوق التراب الإسباني، أو باستمرار احتلال مدريد لأراضي مغربية، فإن الخرس يصيب الألسن، ونكون أمام خطاب إعلامي سياسي أحادي، ينعدم فيه حتى الرأي الآخر.
جيراننا يستحقون فعلا الشفقة.

Top