وقع محمد عبد الرحمان برادة الصحفي البارز والمدير السابق لشركة سبريس للتوزيع، يوم الأربعاء الماضي برحاب المكتبة الوطنية بالرباط كتابه الجديد «شغف وإرادة.. رهان في الإعلام والثقافة والسياسة» وسط حضور وازن جمع وجوها من عالم السياسة والثقافة والإعلام وشخصيات من مختلف المجالات.
هذا الحضور النوعي الذي يبرز حجم المؤلف والمحتفى به محمد برادة الذي أصدر كتابه الجديد، جاءت كلمات عديد من المتدخلين لتجمع على مكانة الرجل وعطاءه في مجال الصحافة والنشر والتوزيع وفي العمل السياسي والإعلامي كشخصية بصمت تاريخا مهما في هذه المجالات.
محمد عبد الرحمان برادة: سبريس مغامرة عمري
في هذا السياق، وفي كلمة ترحيبية، عبر محمد عبد الرحمان برادة عن شكره وامتنانه للحضور الواسع من السياسيين والمثقفين والإعلاميين، معربا عن امتنانه لحضور توقيع إصداره الجديد.
وقال برادة إن أجمل ما في الإصدار الجديد هو مغامرة سابريس التي اعتبرها مغامرة عمره، حيث عاد لمرحلة تأسيسها، والتي قال إنها جاءت بفعل نقاشات ونضالات الأحزاب الوطنية وشخصيات سياسية مناضلة.
وشدد برادة على أن قرار تأسيس سابريس هو قرار سياسي جاء على الرغم من الصعوبات والظروف التي لم تكن حينها مواتية، مبرزا أن هناك العديد ممن قدموا تضحيات كبيرة في سبيل إخراج سابريس إلى الوجود.
ولفت برادة إلى أن تلك المرحلة عرفت نضالات كثيرة وجهودا ونقاشات في سبيل إنجاح الصحافة الوطنية عبر ضمان توزيعها وتنمية القراءة بالمغرب عبر إحداث شركة النشر سابريس، من ضمنهم زعماء سياسيون وصحفيون أمثال الزعيم الراحل علي يعتة ثم في مرحلة التأسيس مع محمد اليازغي وعبد الواحد سهيل، وآخرون من سياسيين وإعلاميين ورواد الصحافة والعمل السياسي حينها.
إلى ذلك، وضمن نفس اللقاء، أجمع المتدخلون في لقاء تقديم الكتاب «شغف وإرادة» على أهمية المؤلَف والمؤلِف، حيث توقفوا عند أهمية هذا الإصدار الجديد الذي قالوا إنه إرث من التاريخ الإعلامي والسياسي جمعه «سي محمد برادة» في صفحات مجتمعة ليقدمه للجمهور العام ويسهم في إغناء المكتبة الوطنية.
عبد الإله التهاني: برادة شخصية وطنية بارزة ارتبطت بتاريخ مجالات الصحافة والنشر والتوزيع ببلادنا
وفي تقديم أولي لحفل التوقيع الذي أداره الإعلامي عبد الإله التهاني، عاد هذا الأخير للحديث عن مسار الرجل الحافل في الإعلام والصحافة والنشر وفي السياسة، معتبرا المؤلف الجديد تاريخا غنيا يغني خزانة المكتبة الوطنية في الصحافة والنشر والسياسة.
وأثنى عبد الإله التهاني على مبادرة برادة التي اعتبرها مبادرة متميزة وغنية تسهم في حفظ جزء من التاريخ الهام الذي يجمع رهان الإعلام والثقافة السياسية، حيث قال «إننا اليوم أمام شخصية وطنية بارزة ارتبطت بتاريخ مجالات الصحافة والنشر والتوزيع ببلادنا، أذعن لطلبات أصدقائه الكثر من أجل كتابة الجزء الأول من مذكراته في النشر والتوزيع والمجال الرياضي».
ووصف التهاني الكاتب برادة بكونه «رجل الأدوار الكبرى»، والذي قال إنه رجل الأدوار الكبرى التي لعب أكثرها في الظل، بعيدة عن الأضواء والضوضاء»، مضيفا أنه «الرجل الوطني الكبير، الذي ستعيد مراحل من مساره المهني، كفاءات إعلامية وفكرية وازنة واكبته في هذا المسار الحافل بعدة مجالات لكن خطها الناظم هو الصحافة والإعلام.
محتات الرقاص: برادة هو الأستاذ والمعلم في مهنتنا وفي النظر إلى شؤونها وسبل النهوض بها
بدوره توقف محتات الرقاص مدير جريدتي بيان اليوم والبيان بالفرنسي ورئيس الفدرالية المغربية لناشري الصحف عند وزن ومكانة سي محمد برادة، الذي قال إنه ليس شخصا عاديا في مهنة الصحافة، بل مرجع أساسي وصاحب الأفضال العديدة على أجيال من إعلاميات وإعلاميي المغرب منذ عقود.
وقال محتات الرقاص إن برادة كان دوما مرجعا مهنيا وتدبيريا وقيميا «نسترشد به كل لحظة، نتعلم منه يوميا كيف نحترم الآخر، وكيف نحترم الرأي الآخر، وكيف نحترم الآخر المختلف معنا، ونتعلم منه كيف نبني مع الآخر المختلف توافقات منتجة وعملا مشتركا لمصلحة المهنة ولمصلحة بلادنا ومن أجل المستقبل»، وفق تعبيره.
وزاد محتات «لقد مر الكثيرون وذهبوا، لقد عبروا مهنتنا وزمنيتنا والعديدون منهم تركوا طبعا آثارهم، ولكن سي محمد بقي حاضرا إلى اليوم، يحضر في الميدان، في المهنة وحواليها، في القلب وفي البال».
ولفت محتات إلى أن هناك العديد من القصص تبرز سيرة وأفعال سي محمد برادة في «سابريس وقبلها ثم بعدها، وفي الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، التي قال بصددها «إنه حالفنا الحظ أن بقينا نتعلم من سي برادة إلى اليوم».
ووصف رئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف برادة بكونه «أحد عناوين القيادة التنفيذية الحالية للفيدرالية، ومرجعا أساسيا، مضيفا «لهذا نحن نتحلق حول سي برادة ونتعلم منه يوميا، وفي حضرته نتحرر كلنا ونتطهر من كل الحسابات الأنانية والصغيرة والتافهة، ويقودنا نحو استحضار مصلحة المهنة، ومصلحة بلادنا، وقدسية… الوطن».
وزاد محتات في وصف برادة بالقول إن سي برادة يعبر عن آرائه وأفكاره ومواقفه واقتراحاته بلغة سهلة مباشرة بلا لبس أو غموض أو تعقيد، وأنتم جميعكم بلا شك تشهدون، مشددا على أنه يبقى هو الأستاذ والمعلم في مهنتنا وفي النظر إلى شؤونها وسبل النهوض بها.
وحول اهتمامه بالمهنة، عاد محتات الرقاص للحديث عن وضوح الموقف لدى برادة من قضايا المهنة، وصرامة الدفاع عنها، والتفكير في مصلحة البلاد أولا، مردفا أن للإعلامي برادة مغامراته المهنية الكبيرة التي أسسها مع كبار هذه المهنة في بلادنا، وقاد التجارب معهم، وذلك لإيمانه المبكر بجدارة الصحافة الوطنية المغربية وضرورة تطويرها ودعمها، وأيضا لقناعته بحق شعبنا في القراءة.
وذكر الرقاص بالشعار الذي رفعه برادة «صحيفة لكل مواطن»، والذي قال إنه من خلاله كان يدرك أهمية تقديم الأخبار للمغاربة من طرف صحافة وطنية مغربية ذات مصداقية، مبرزا أن الدرس الذي يجب استحضاره هو إدراك حاجة بلادنا اليوم إلى صحافة وطنية مهنية جادة وأخلاقية وذات مصداقية ووضوح النظر، «أي أننا في حاجة إلى الإنصات لأمثال سي برادة»، حسب تعبيره.
نورالدين مفتاح: إذا كانت الصحافة هي مهنة المتاعب، فإن السي محمد برادة هو مذلل المصاعب
من جانبه افتتح الصحفي والإعلامي نور الدين مفتاح الرئيس الشرفي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف كلمته في حق برادة بالقول «إذا كانت الصحافة هي مهنة المتاعب، فإن السي محمد برادة هو مذلل المصاعب».
وشرع مفتاح يحكي في أمسية توقيع الكتاب قصته مع برادة الذي وصفه بـ «أبو الأفضال»، حيث قال «عندما اقترح على كبار ذلك الزمان الذي كان فيه للصحيفة الورقية وزن ثقيل أن يجتمعوا في شبه تعاونية لضرب احتكار توزيع الفرنسيين للصحافة الوطنية، لم يكن أحد يتصور أن هذا الساحر قد بصم على إنجاز تاريخي أصبح يحمل اسم سابريس».
وتابع مفتاح «كبر الحلم، وغطى الإنجاز سنوات الفخر الإعلامي، وظل الطموح كبيرا في أن نصل إلى «صحيفة لكل مواطن»، ولكن، كل مواطن كانت تصله الصحيفة كان للسي محمد برادة فضل في ذلك.
وبغض النظر عن الكبار الذين أسسوا مع السي محمد شركة التوزيع الوطنية في المحرر والبيان والعلم، فإن الرجل، حسب مفتاح، «سيواصل رعاية المشاريع الواعدة وتغذية التعددية ودعم المواهب التي كانت له براعة في اكتشافها».
ويجزم صاحب أسبوعية الأيام أنه يكاد أنه يكون كل صحفي من الجيل القديم فضل عليه من قبل سي برادة، مشيرا إلى أن هذا رجل قضى عمرا في نسج علاقات الخير والتدخل للمصالحة وتجميع المتفرقين ورأب صدع المتخاصمين.
وذكر مفتاح بقصته الشخصية مع برادة الذي كان له فضل على خروج أسبوعية الأيام للوجود، إذ حكى للحضور بالقاعة الكبرى بالمكتبة الوطنية «عندما أردنا تأسيس أسبوعية الأيام قبل 21 سنة، لم يكن عندي شخصيا رأس مال، فكان أن أقرضني السي محمد قرضا حسنا اقتطعه تدريجيا من مبيعاتنا. فعل هذا مع الكثيرين، وهذا ما نعرف، أما ما لا نعرف فإنه بالتأكيد أكبر وأنبل».
عبد الحميد الجماهري: مغامرة محمد برادة في تأسيس مؤسسة سابريس مغامرة فردية تثبت بالإيجاب أن الواحد يمكن أن يغير التاريخ
من جانبه، وبلغة شعرية يقول عبد الحميد الجماهري الكاتب والشاعر في وصف محمد عبد الرحمان وكتابه شغف وإرادة «برادة وددت لو أن العنوان كان «شغفا.. وبرادة»، ذلك لأن اسم السي محمد عبد الرحمان كان في عرف تقديري له، هو الاسم الحركي للإرادة. ولعلك عندما تقرأ الكتاب، ثم تغلق دفتيه ستجد الجواب عن سؤال لطالما رددت صداه قاعات الدرس وردهات الجامعات ومنصات النقاش الفلسفي، يتمثل بمفعول الإرادة في صناعة قدره الخاص وقدر ما هو أبعد نصوغه كالتالي: هل يمكن للفرد أن يخوض تجربة إنسانية خاصة فيغير بها التاريخ؟
ويجيب الجماهري شعر «بلا أدنى تردد: هاهي ذي مغامرة فردية مغربية إنسانية، تثبت بالإيجاب أن الفرد الواحد يمكنه أن يغير التاريخ في بلاده»، في إشارة منه إلى التجارب التي راكمها برادة، والتي قال إن «هذا الأخير إن لم يصدق خياله لما تحقق الواقع».
وتابع الجماهري «إن لم يصدق حلمه وينصت لذاته لما كنا في الوضع الذي نحن فيه»، معتبرا أن مغامرة محمد برادة في تأسيس مؤسسة سابريس لكسر شوكة الاحتكار الأجنبي في ذلك الوقت، مغامرة فردية تثبت بالإيجاب أن الواحد يمكن أن يغير التاريخ ببلاده.
ويرى الجماهري أن ما أقدم عليه محمد برادة لم يكن قرارا سياسيا ومهنيا فقط بل كان قرارا طبيعته سياسية ومهنية لكنه في العمق قرارا وطنيا شجاعا، مبرزا السياق العام الذي كان يحكم البلاد في تلك الفترة، المتسم بمشهد سمعي بصري مسيج بإرادة الدولة، ومشهد إعلامي متمثل في الصحافة الوطنية الذي تقوده المعارضة.
حسن عبد الخالق: السي محمد برادة جمع بين حماسة الوطنية وعقلانية التدبير وروح التطوع في خدمة الإعلام والوطن معا
من جانبه، عاد حسن عبد الخالق السفير السابق الصحفي والكاتب والسفير السابق إلى الحديث عن وزن سي محمد برادة وكتابه «شغف وإرادة»، والثناء على هذه المبادرة المتميزة في تأريخ جزء من التاريخ الهام يضم السياسة والإعلام.
وقال حسن عبد الخالق «إن الأستاذ والصديق محمد عبد الرحمان برادة فعل خيرا عندما استقر أخيرا على تدوين سيرته الذاتية في كتاب شغف وإرادة ..رهان في الإعلام والثقافة والسياسة»، الذي أكد أنه يغني المكتبة الوطنية، ليس فقط بالتعرف على المسار الشخصي للمؤلف ،بل بتسليط الضوء على تجربة مهنية طويلة وثرية كان لها، طوال أكثر من أربعة عقود، أثرها الإيجابي في مجال الصحافة والنشر والتوزيع والثقافة في بلادنا.
وأضاف الكاتب والسفير السابق أن برادة حرص بتواضعه على التنبيه إلى أن هذا الكتاب يتضمن فقط بعضا من مسيرة حياته ولمحات من مسيرته المهنية والشخصية في ارتباطها بمراحل من التاريخ الحديث للمغرب، بدءا من الكفاح الوطني من أجل الاستقلال، وصولا إلى بناء المغرب المستقل واستكمال وحدته الترابية، مشيرا إلى برادة ومن خلال مؤلفه يؤكد على أن الأمر يتعلق بكتاب تاريخ ذاتي ،لكنها الذات في تقاطعها مع ذوات أخرى لسياسيين وقادة وطنيين وكتاب كبار أضفوا على مسيرته بعدا خاصا.
وحسب حسن عبد الخالق فإن مؤلف الكتاب زاوج في عنوان كتابه شغف وإرادة بين العاطفة والعقل. ويعني الشغف ذلك الشعور بالحماس الشديد أو الرغبة التي لا تقاوم تجاه شخص أو شيء ما وتذهب إلى أقصى الحب، بينما الإرادة هي ذلك التصميم الواعي على أداء فعل معين ، يستلزم هدفا ووسائل لتحقيق هذا الهدف، وفق تعبيره.
إلى ذلك، تحدث عبد الخالق عن ما قبل ميلاد سبريس، التي كانت حينها المؤسسة الوحيدة التي تنفرد بتوزيع الصحف والمجلات والمطبوعات في المغرب هي شركة من مخلفات الحقبة الاستعمارية، والتي لفت إلى أن مؤلف الكتاب اشتغل في هذه الشركة وأصبح أول مغربي يتقلد منصب مديرها التجاري، حيث آلمه أن همها هو تحقيق الأرباح وتعزيز الوجود الإعلامي والثقافي الفرنسي بالتوزيع الواسع للصحف الفرنسية مع خنق الصحافة الوطنية وهي ظاهرة لم توجد في أي بلد آخر مستقل.
وانطلاقا من مبادئه الوطنية، يحكي عبد الخالق أن برادة وظف استفادته كأحد أطر الشركة من دورات للتكوين الصحفي في فرنسا ودورات التكوين في مجالي الاقتصاد وتدبير المقاولة الصحفية وانخراطه في عدد من المنظمات المهنية الدولية المتخصصة في النشر والتوزيع واكتسابه خبرة في ميدان إصدار ونشر وتوزيع الصحف، للانتفاض و كسر الاحتكار في هذا القطاع في بلادنا، بتأسيسه شركة سبريس بمعية مديري الصحف الوطنية المتوفرة آنذاك.
وفصل عبد الخالق في خطورة برادة إلى جانب آخرين في تأسيس سبريس والتي اعتبرها من أهم المحطات في تاريخ الصحافة الوطنية، لما كان لها من دور في الانتشار وفي إنهاء الاحتكار الذي كانت تقوده الشركة الوحيدة حينها الموروثة عن حقبة الاستعمار لتصبح سبريس بعد سنة من انطلاقتها موزعة لجل الإصدارات المغربية وعدد كبير من المطبوعات العربية وبعض الصحف الفرنسية، التي استاءت من معاملات الشركة الأجنبية.
> محمد توفيق أمزيان
تصوير: رضوان موسى