يجادل الباحثون اليوم حول التأثيرات الهائلة التي تركتها الإنترنت على البشر، وما إذا كانت ستبني وبشكل حاسم اتجاهات الهجرة الداخلية والهجرة الدولية على وجه الخصوص مستقبلا، وذلك بالاستناد على الدراسات التي أجريت طيلة الفترة الماضية.
ورغم ترسانة القوانين التي تتسلح بها الدول، حيث تتيح بعض التشريعات للمهاجرين غير الشرعيين فرصة للبقاء بعد ترتيب أوضاعهم القانونية، تصرّ بعض الحكومات وخاصة في أوروبا على السير عكس هذا الاتجاه، بعد أن أعلنت مبرراتها لذلك بشكل واضح وأنها مستعدة لمساعدة دول المعبر مقابل السيطرة على حدودها.
ويؤدي تعدد أشكال الهجرة غير الشرعية إلى صعوبة تقدير حجمها الحقيقي، ذلك أن المهاجرين يتوارون في أغلب الأحيان عن الأنظار بصورة عامة، وعن أنظار الدولة ومؤسساتها بشكل خاص، فهم معرضون في أي لحظة للترحيل والإبعاد فضلا عن الإيقاف والمحاسبة، والمعاملة السيئة في الكثير من البلدان.
واستنادا على ذلك، تسلط عدة دراسات على هذا الجانب، وخلصت إلى أن معظم الدول لا تقدم توصيفا كاملا لحجم ظاهرة الهجرة غير الشرعية، إنما تعمل على بيان ما تمكنت من رصده عبر مؤسساتها المختلفة الداخلية منها والحدودية.
وقد انضافت إلى هذه المشكلة قضية لا تقل تعقيدا، وتتمثل في اعتماد العديد من الناس على الإنترنت بشكل أكبر من السابق ما جعل الحكومات تصاب بصداع مزدوج، على حد وصف بعض المحللين.
وفي أحدث حلقات هذا الاتجاه، أجرى فريق من الباحثين في عدة جامعات عالمية تحت إشراف جامعة ماكجيل الكندية دراسة مشتركة شملت مواطني أكثر من 150 دولة لتحديد العلاقة بين التوسع في استخدام الإنترنت واتجاهات الهجرة في العالم، وخلصوا إلى أن التواصل الرقمي يلعب دورا رئيسيا في قرارات الهجرة بل ويدعم عمليات الهجرة.
واللافت أن الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية “بوبيوليشن أند ديفلوبمنت ريفيو” المتخصصة في مجال التنمية البشرية، أشارت إلى أن الدول التي لديها قاعدة واسعة من مستخدمي الإنترنت تتزايد لديها اتجاهات الهجرة الخارجية.
ويقول الباحث لوكا ماريا بيساندو، المتخصص في علم الاجتماع في مركز ديناميكيات السكان بجامعة ماكجيل في تصريحات للموقع الإلكتروني “ساينس ديلي” للعلوم والتكنولوجيا، إن “الثورة الرقمية التي واكبت استخدام الإنترنت قامت بتحويل مجتمعاتنا واقتصادياتنا وطريقة الحياة التي نعيشها، ولم تكن الهجرة بمعزل عن هذه الثورة”.
وقام فريق البحث بتعقب معدلات استخدام الإنترنت ومسارات الهجرة اعتمادا على بيانات من البنك الدولي والاتحاد الدولي للاتصالات اللاسلكية ومؤشر السلام العالمي ومركز غالوب العالمي للاستطلاعات.
وأكدت الدراسة أهمية الإنترنت باعتبارها قناة معرفية للمهاجرين الذين يتركون بلادهم بحثا عن فرص حياة أفضل، بعكس المهاجرين السياسيين، الذين يضطرون إلى ترك بلدانهم هربا من حرب أهلية على سبيل المثال.
وفي كثير من الأحيان، يستفيد الباحثون عن الهجرة لأسباب اقتصادية من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت، وأن هذه المعلومات سوف تقوم بتشكيل طموحاتهم وآمالهم بالنسبة إلى حياة أفضل في المستقبل في الدول التي يسعون للهجرة إليها.
وعلى مستوى السكان، ارتبط انتشار الإنترنت بزيادة كبيرة في حجم الهجرة الدولية، ففي العام الماضي، تم تقدير 272 مليون مهاجر دولي على المستوى العالمي، بزيادة من 150 مليون في عام 2000.
وزادت الحصص المقدرة من سكان العالم من المهاجرين الدوليين خلال هذه الفترة، من 2.8 إلى 3.5 في المئة، مما جعل الهجرة مركزية بالنسبة إلى المناقشات السياسية ومناقشات السياسة داخل المنظمة الدولية للهجرة طيلة العام الحالي رغم أن الأزمة الصحية حدّت نوعا ما من عمليات الهجرة.
ومع ذلك، هناك مخاطر كبيرة جراء استخدام الإنترنت، فقد باتت المئات من الصفحات على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تروج للهجرة غير الشرعية، تشكل ظاهرة خطيرة تعمل بعض المؤسسات والدول المعنية على محاربتها عبر الوسائط المتوفرة.
وتصنف استطلاعات مؤسسة غالوب العالمية، والباروميتر العربي، وبيانات من الاتحاد الدولي للاتصالات، المهاجرين إلى فئتين؛ فهناك مهاجرون اقتصاديون أي أولئك الذين يغادرون بلدانهم الأصلية بهدف البحث عن فرص اقتصادية أفضل في مكان آخر، أما المهاجرون السياسيون فهم أولئك الذين يُجبرون على مغادرة بلدانهم الأصلية لأسباب سياسية أو لأسباب تتعلق بالصراعات الداخلية أو الحروب.
وتشير معظم النتائج إلى وجود علاقة إيجابية ثابتة بين انتشار الإنترنت ونوايا وسلوكيات الهجرة، مما يدعم فكرة أن الإنترنت ليست بالضرورة قوة دافعة للهجرة في حد ذاتها، بل هي أداة داعمة للتمكن من الإقدام على الخطوة.
وتقول لويز أربور، الممثلة الخاصة للأمين العام للمنظمة الدولية للهجرة، إن المبالغة في تصور أن المهاجرين يشكلون عبئا أو تهديدا، هو عكس الواقع تماما، فهناك العديد من دول العالم اليوم ستحتاج إلى استيراد جزء من قوتها العاملة، بسبب تركيبتها السكانية.
وتوضح أنه إذا أرادت تلك الدول الحفاظ على معاييرها الاقتصادية الحالية ونمو اقتصاداتها، فسيتعيّن عليها استقبال عمال أجانب مدربين جيدا لتلبية متطلبات سوق العمل، لذا، فإن تعزيز ثقافة الاستبعاد يؤدي إلى نتائج عكسية تماما.
توسع ظاهرة الهجرة عن بعد يضاعف التحديات أمام حكومات العالم
الوسوم