قصة «إيسكوبار الصحراء» امتدادات وآثار وخسائر أخرى

قصة «إيسكوبار الصحراء» تواصل كشف تفاصيلها وامتداداتها، وأيضا إشاعاتها، وهي فعلا تستحق أن تحول إلى فيلم سينمائي على الطريقة الهوليودية، لكن الخطير فيما عرف أو فيما يتواصل تسريبه وتداوله في كل مجالس الكلام، ليس جرائم الأشخاص أو غرابة امتلاك الثروة وتحقيق الغنى الفاحش، فهذه قد تكون لها وقائع شبيهة في التاريخ أو في جغرافيات أخرى، ولكن الخطير أن المتهمين لحد الآن، أو من تروج أسماءهم وصفاتهم، هنا وهناك، يشتركون جميعهم ضمن ماكينة انتخابية جرى صنعها ونفخها ودفعها لتسطو على مؤسسات دستورية وعلى هيئات منتخبة وعلى… السياسة.
بسبب هذه اللعبة الخطيرة جرى تتفيه السياسة وابتذالها، وجرى»السطو»على كثير أشياء ومفاصل مجتمعية، في السياسة والعمل الحزبي والانتخابات والجماعات والأغلبيات، وفي العمل الاجتماعي والنقابي، وفي مجالس الحكامة، وفي المقاولات والصفقات، وفي الصحافة والإعلام، وتكرس عدم الفهم لكثير أشياء حوالينا طيلة سنوات، وتفشى القلق واليأس والإحباط وسط الناس، ثم ضعفت الثقة في كثير أشياء، ولما «تفجرت» الفضيحة، فهمنا جميعا سياقات المناورة واللعبة الخطيرة، وأدركنا غاياتها وخلفياتها وصناع تفاصيلها.
منذ بضع سنوات، ليست بعيدة على كل حال، نبه بعض الصادقين إلى شبهات انتقال المخدرات وريعها نحو السياسة والانتخابات، وحذروا من الأموال الخيالية التي تصرف في الحملات الانتخابية أو لشراء تزكيات الترشيح، وطفت على سطح الكلام كثير ضغوط مورست ضد مقاولين ورجال أعمال للرضوخ لهذه الماكينة/العصابة، وقدمت أمثلة ووقائع…، كما أورد العديدون أيضا كثير مناورات شهدها قطاع الصحافة والإعلام، ومظاهر الاحتكار والتملك للعناوين والمؤسسات والذمم والأقلام، ثم مساعي غريبة لتغييب تنظيمات مهنية عريقة أو محاولة «قتلها» ومحو وجودها من أصله، واستعرضت الكثير من الكتابات أمثلة عن الضغط بالإشهار وبغيره، ثم بأموال الدعم العمومي، وخصوصا الاستثنائي، ثم بالصلاحيات الحكومية ومنطق الهيمنة الفجة، وهي سلوكات لا زالت مستمرة إلى اليوم…
بعض ما يحكى عن ماكينة «إيسكوبار الصحراء»يشبه فعلا ما عانت منه مهنتنا في السنوات القليلة الأخيرة، على الأقل في جوانب الضغط بالأموال، وبالاختباء وراء المؤسسات أو…» جهات»، كما كان يروج في زوايا مهنتنا ومنظماتها، من باب التخويف.
اليوم عرفنا فعلا من هي هذه الجهات التي كانت ترفع أمامنا كسوط للترهيب، وفهمنا تشابك العلاقات والمصالح والارتباطات، ولكن، مع الأسف، هذه الماكينة البلطجية والعمياء أوصلت المهنة وتعبيراتها الى الدرجة الصفر، تماما كما فعلت في السياسة والانتخابات والمؤسسات، وصرنا جميعا أمام… التدني.
هذه الخسائر التي تكبدتها صحافتنا الوطنية وأفقرت الجدية والمصداقية فيها، وهذه الخسائر التي لحقت بحقلنا السياسي والحزبي والنقابي والانتخابي، هي بالضبط التي تجسد انتصار العصابات التي تفضحها اليوم قصة»إيسكوبار الصحراء»، ولهذا قلنا إن جرائم الأشخاص قد يعاقبون عليها، ولكن جرائمهم التي لحقت المجتمع، كما أوردنا أعلاه، هي التي تتطلب اليوم جوابا سياسيا وتدبيريا، وتقتضي وقفة صارمة لوضع حد لكامل الرعونة التي حدثت في السياسة والإنتخابات والصحافة والإعلام.
وبهذا يمكن ان نبدأ في تحويل الخسائر التي تسببت فيها العصابة للمجتمع والوطن الى انتصارات، وإلى بداية بناء المستقبل.
بقي أن نلفت إلى انه في غمرة انقضاض ماكينة العصابة، التي انكشفت اليوم، وتغولها لسنوات في السياسة والإنتخابات والصحافة، وجدت في ركابها من ينظر لمافيوزيتها و بلطجيتها، من دون خجل، ونتذكر كلنا»سنطيحة»عدد من أشباه المحللين، وبعض كتاب الساعة الخامسة والعشرين، وكيف بدلوا الألوان كلها، ولم يترددوا جميعهم في احتراف الصباغة بلا ذوق أو معرفة أو حياء…
اليوم صمت هؤلاء، وبعضهم غير كتف»حمل السلاح»، والبعض الآخر ترتعش لديه كل الفرائس هلعا من الآت…
لشعبنا كذلك كامل الحق تجاه هؤلاء، على الأقل لكي يعتذروا له على التواطؤ ونشر الإبتذال والدعاية للعصابة..
الجرائم وخيوطها وبقية التفاصيل المتعلقة بملف»إيسكوبار الصحراء»يتولاها اليوم القضاء، ومن المؤكد ستعرف النهايات والأحكام والجزاءات، ولكن العصابة كرست امتداداتها فيما تعانيه اليوم السياسة والانتخابات والكثير من المؤسسات ذات الصلة من ضعف وتدني وارتباك، ولذلك امتدادات أخرى عانت منها صحافتنا الوطنية ومحيطها المقاولاتي والتدبيري، والجميع يعرف اليوم تفاصيلها وعناوينها وفضائحها، وتصحيح هذا يفرض اليوم إدراك منظومته التلاعبية التي استمرت أربع سنوات على الأقل، ثم تقديم حسابات ذلك وتوضيح كل الخيوط والقيام بما يلزم لتمكين وطننا من استعادة صحافته الوطنية المهنية والجادة والرصينة وذات المصداقية ووضوح النظر.
ليس منطقيا أن يشرع القضاء في النظر في ملفات الجرائم طبقا للقانون، ويصر البعض على ترك وجه الصحافة والسياسة كالحا جراء ما اقترف في حقه، وما تسببت فيه تبعات جرائم العصابة وامتداداتها في مفاصل المجتمع.

<محتات‭ ‬الرقاص [email protected]

Top