ـ انتظرنا نقطة واحدة، فكانت ثلاثة.
ـ ذعرنا من تكرار النكسات، فكان الإبهار في أبرز تجلياته.
ـ تخوفنا على لاعبينا الغرباء من الأدغال، فجاء الأداء بطوليا.
ـ انتظرنا أن يكون التراجع في العطاء بسبب ظروف الطقس، فكان السخاء وتبليل القميص.
انتصار مدو إذن للعناصر الوطنية أمام فيلة الكوت ديفوار، أعاد كرة القدم المغربية من جديد إلى الواجهة الأفريقية بعد غياب قاس، دام لسنوات عجاف، رغم عديد المحاولات، ورغم تعدد التجارب وأسماء المدربين، وتغيير اللاعبين وتعاقب المسيرين.
هدفا نبيل درار والمهدى بنعطية، رغم صفتهما الدفاعية، إلا أنهما أهديا الانتصار الثمين، مفجران فرحة عارمة بمختلف الأوساط الوطنية، سواء رياضية أو غير رياضية على الصعيد الوطني، وأينما تواجد أفراد الجالية المغربية بمختلف بقاع العالم.
فقد اختلطت دموع الفرحة بصيحات الافتخار وأناشيد الفوز، وهي أحاسيس امتدت إلى أوسع الفئات، فحتى الذين لا علاقة لهم بكرة القدم أو الرياضة، انخرطوا بكثير من التلقائية، وخرجوا للمشاركة في أجواء الفرحة وتخليد حدث تاريخي هز المغاربة قمة وقاعدة.
فالإصرار والعزيمة والقتالية والندية التي ميزت العناصر الوطنية، طيلة المراحل الإقصائية، جعلت المتتبعين لا يترددون في الإشادة بأداء المنتخب المغربي، هذا الأخير حول تعثر البداية إلى حافز معنوي كبير، مكنهم من تجاوز الفيلة في ترتيب المجموعة الثالثة، ليكرس تفوقه في المباراة الختامية على أرض ملعب “هوفيت بوانيي”، حيث تم استثمار الأجواء المشجعة المحيطة بالمنتخب على نحو جيد، وحولتها العناصر الوطنية إلى طاقة إيجابية، ساهمت في إذكاء حماس قل نظيره خلال السنوات الأخيرة.
هذه النتيجة الإيجابية التي جاءت في عز الأزمة التي عصفت طويلا بكرة القدم الوطنية، وجعلتها عاجزة تماما حتى أمام منتخبات توصف بالصغيرة، كان من الطبيعي أن تفجر أجواء الفرحة العارمة التي أذهلت المتتبعين، حيث تابع الجميع كيف أن المغاربة كبارا وصغارا، شبابا وشيوخا من مختلف الفئات، خرجوا للشوارع حاملين الأعلام الوطنية، بكثير من التلقائية والعفوية، دون تسجيل أي أحداث تذكر، أو تصرفاته طائشة أو خسائر مؤسفة أو تأثير على النظام العام.
فرحة استثنائية طبعت بسلوك لم يعد مألوفا في أيامنا هذه، وكان للأسف استثناء بالنظر إلى الانفلاتات التي أصبحت تعكر صفو الحياة اليومية للمواطن المغربي، فقد لاحظ الجميع كيف كان السلوك راقيا، والجميع متسامحا إلى أبعد الحدود، شاهدنا عناقا حارا بين أفراد لا يعرفون بعضهم البعض، تصرفات حضارية، وحتى الذين تعودوا على السرقة والنشل وارتكاب الجرائم والاعتداء على الناس، دخلوا في هدنة “أولمبية”، ولم تسجل أي حالة عكرت صفو الأفراح التي عمت جل المدن المغربية.
فرحة أكدت بالملموس أن الشعب المغربي قاطبة في حاجة للحظات الفرح والتعبير عن الذات والافتخار بالانتماء للوطن، وهذا درس بليغ يؤكد للمرة الألف أن الشعب المغربي يبقى دائما، وسيظل شعبا حيا يحب الحياة، وأجواء الفرح مهما كلفه ذلك من ثمن ، وعلى هذا الأساس يستحق أن يكون شعبا سعيدا…
فهل وصلت الرسالة للمسؤولين؟…
محمد الروحلي