العالم صار يتحاور ويتفاوض من خلف الكمامات.. والرومانسية في أدنى مستوياتها، هذه الأيام.. لا بل قال لي أحد البخلاء المتحذلقين، البارحة، بأن الفيروس قد ينتقل عبر مسك النقود التي تُسيل لعاب الجميع.. أكّد لي ذلك إثر عطسة مدوية منه، حين أردت اقتراض مبلغ نقدي منه.
حدث هذا، وجمهور الفيسبوك يستمر في التندّر وإطلاق النكات حول “كورونا” ظنا منه أنه في مأمن لمجرّد تمترسه خلف الشاشة الزرقاء، في حين يمضي هذا الفيروس في حصد الأرواح مهددا بإبادات جماعية، يقتحم سور الصين، ويفعل ما لم تقدر على فعله قبائل التتار منذ مئات الأعوام.
السخرية قد تساعد على التحمّل، وترفع المعنويات في المحن والحروب، لكنها ـ بالتأكيد ـ ليست لقاحا يقوي المناعة ضد الأوبئة والكوارث.. إنها لدى المغفلين، أشبه بثعبان يمزح مع قطار، ويحاول قطع طريقه وقد تمدد فوق السكة.
“كورونا” لا يمزح إطلاقا، ويتسلل إلى هدفه عند كل عطسة أو قبلة أو مصافحة، أو حتى نظرة إعجاب أو عتاب بعين مجردة كما تؤكد أحدث التقارير الطبية.. وها هو صديقي المحتال البخيل، يؤكد لي البارحة أن “كورونا” ينتقل عبر مسك الأوراق النقدية.
لعن الله الأوراق النقدية ـ وسخ الدنيا ـ كما كانت تسميها المرحومة أمي، والتي لم تستدن في حياتها مبلغا قط.
مهلا، أظن أن الأمر صحيح، وإلا فما علاقة هذا العشق المزمن للأموال، من أول لمسة، ومتعة توفرها هذه المادة التي خيطت لأجلها الجيوب وفصّلت لها الجزادين، وصنعت لها الخزائن والبطاقات الائتمانية؟
أنا مع أن يمتطي فيروس كورونا، الأوراق النقدية والشيكات البنكية، بدل موجات السعال والعطس، وأفعال العناق والاحتضان.. عندئذ، تخيلوا العالم وقد أدبر عن “وسخ الدنيا”، لا يمسكه إلا بقفازات ولا ينظر إليه أو يشتمه إلا من خلال نظارات فاحصة وكمامات واقية.
في هذه الحالة، وحين أطلق، شخصيا، إشاعة مفادها بأني مصاب بفيروس كورونا، هل سيزال يطمع اللصوص والدائنون والمؤجرون، والبقالون والنادلون، في “أموالي الملوثة”؟ ما حقيقة قصص وأساطير النقود المسمومة التي تحمي أصحابها من السرقة، عبر التاريخ، أم أن الأمر يتعلّق بـ”الترياق الشافي” الذي يصاحب دائما، أي حالة إصابة، ضمن متلازمة تجارية تسويقية مزمنة وملعونة؟.. ولست أظن أن فيروس كورونا، في حل منها.. وبعيدا عن نظرية المؤامرة، التي وجدت كي تزيد الأمر التباسا وتعقيدا.
جماعة النكات الساخرة التي يطلقها أصحابها على الفيسبوك حول “كورونا”، ومن قبله، “أنفلونزا الخنازير” و”الجمرة الخبيثة”، وحتى “الأيدز”.. استمروا في سخريتكم، ولا تنسوا أن تسموا باسم الله بعد كل مسك بالنقود أو عطسة عابرة للقارات.
حكيم المرزوقي
كاتب تونسي