اختتمت الأربعاء الماضي، أعمال “حوارات القمة العالمية للحكومات” التي عقدت برعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، على مدى يومين، واستقطبت جلساتها الحوارية أكثر من 10 آلاف مشارك من 156 دولة حول العالم عبر منصتها الإلكترونية.
وأكد محمد بن عبد الله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء الإماراتي رئيس مؤسسة القمة العالمية للحكومات، في كلمته الافتتاحية للقمة، “إن عام 2020 كان علامة فارقة، فكما واجهنا تحديات خلقنا فرصا”.
وقال: “تركيزنا ليس فقط على التعافي من تداعيات الجائحة بل بناء مستقبل قوي.. أمامنا تحديات كثيرة في 2021 أبرزها التحديات الصحية بسبب كورونا”.
وتابع: “الجيل الذي واجه الجائحة يشبه الجيل الذي نجا من الحرب العالمية الثانية.. الحكومات يجب أن تعمل على عدة مستويات لتواجه تحديات جائحة كورونا”.
واختتم كلمته قائلا: “لقد طورنا عدة لقاحات لفيروس مميت في أقل من 8 شهور.. إعادة الاقتصاد لمساره الصحيح هي الأولوية الآن”.
وتبحث جلسات أعمال “حوارات القمة العالمية للحكومات”، التي تستمر على مدار يومين، أبرز الاتجاهات العالمية الجديدة ومشاركة الرؤى والأفكار الهادفة لتعزيز جاهزية الحكومات في مواجهة التحديات المستقبلية.
وتناقش “حوارات القمة العالمية للحكومات” التي تعقد افتراضيا أبرز التوجهات المستقبلية في ظل المتغيرات العالمية المتسارعة، وسبل تعزيز دور الحكومات في تطوير حلول مبتكرة وفعالة لمختلف التحديات، خاصة في ظل الظروف التي أفرزها استمرار جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد – 19″، بما يمكن الحكومات من تجاوز آثار الجائحة، ويدعم جهودها لصناعة مستقبل أفضل للمجتمعات.
عام حاسم
أكد المشاركون في جلسة حول مستقبل العملات الرقمية ضمن “حوارات القمة العالمية للحكومات” أهمية تبنّي الحكومات والمصارف المركزية والمؤسسات المالية أحدث حلول وابتكارات التعاملات الرقمية ومواكبة نمو الطلب على منتجات الاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية وتطبيقات الحكومة الذكية.
وشارك في الجلسة أنتوني يوريو المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة لاليترال والمؤسس المشارك لشركة إثيريوم، ودينيل ديكسون الرئيس التنفيذي والمدير التنفيذي لمؤسسة ستيلر للتنمية، وبروك بيرس مؤسس شركة بلوك تشين كابيتال، وصقر عريقات خبير بلوك تشين واستشاري القطاع الحكومي في “آي بي أم”، واستعرضوا خلالها رؤاهم لمستقبل تكنولوجيا البلوك تشين التي يمكنها أن تؤدي إلى حلول العملات المشفرة محل البنوك والخدمات المصرفية في السنوات المقبلة.
وأشار المتحدثون إلى أهمية مبادرة الحكومات لإقرار تشريعات مدروسة لتنظيم التعاملات الرقمية على نطاق أوسع في المعاملات الحكومية والتجارية، بما يضمن الشفافية ويحمي الحقوق لجميع المتعاملين ويعزز التحول الرقمي ويخدم مجتمعات المستقبل الذكية ويجسد تطورات اقتصاد المعرفة، كما ناقش المشاركون في الجلسة أهمية إشراك كافة الجهات المعنية بتبنيّ التعاملات الرقمية، من المؤسسات الحكومية، والقطاعات الاقتصادية، ومطوري التكنولوجيا، والمستخدمين العاديين.
تصورات مستقبلية
واعتبر بروك بيرس، مؤسس شركة بلوك تشين كابيتال المتخصصة في مجال العملات الرقمية المشفرة، أن تبنّي الحكومات للعملات الرقمية قد يكون التحول المالي القادم، وقال إن العديد من الحكومات حول العالم تدرس إضافة العملات الرقمية إلى احتياطيات بنوكها المركزية كما هي الحال مع الحكومة الصينية واليوان الرقمي، أو في سويسرا وسنغافورة اللتين بدأتا اعتماد رموز الأمان في التعاملات الرقمية.
وتحدث بيرس عن إقرار مدينة ميامي بالولايات المتحدة الأمريكية تشريعات قد تسمح بدفع أجور موظفي البلدية بالعملة الرقمية، وتتيح لبلدية المدينة شراء العملات الرقمية في دفاترها المحاسبية. وقال بيرس: “التحول نحو العملة الرقمية حاصل حتماً فيما نعيش في الثورة الصناعية الرابعة. ومن المهم أن نأخذ قرارات مدروسة لإقرار تشريعات تنظيمية للعملات الرقمية، سريعة لكن غير متسرعة، لأن ذلك يؤثر على مستقبل الشعوب، ولأن العالم يتغير، ولا أحد يريد أن يتخلف عن التحول الحاصل.”
وأضاف: “ما يقارب نصف مليارديرات العالم حولوا أموالهم إلى العملات الرقمية المشفرة، قد نكون نعيش أكبر تحوّل للثروة في التاريخ، ونريد للناس أن يكونوا جزءاً من هذا التحوّل”.
تقنيات المستقبل
بدورها أكدت دينيل ديكسون الرئيسة والمديرة التنفيذية لمؤسسة ستيلر للتنمية، أن هذه التقنيات ليست المستقبل بل الحاضر الذي نعيشه الآن
في عام 2021، داعية إلى مشاركة الحكومات بشكل عاجل في قطاع التعاملات الرقمية، مع أهمية أن تتواصل البنوك المركزية التي تخطط لإطلاق عملاتها الرقمية مع القطاع الخاص الذي قطع أشواطاً طويلة في تطوير العملات الرقمية المشفرة.
وأوضحت ديكسون أن التنسيق بين القطاعين الحكومي والخاص سيخلق مزيجاً يجمع بين الخيارات القائمة والخيارات الجديدة والمستقبلية ويسهل توفير العملات الرقمية بسلاسة ودون عقبات في متناول المستخدم النهائي.
وأضافت: “التوعية والتعريف بالعملات الرقمية وفوائد تطبيقها هي المسار الذي سيشجع الحكومات والمؤسسات والجمهور على التحول نحو استخدامها. ولدينا اليوم فرصة لإنجاز تعاملات رقمية بسرعة 3 إلى 5 ثوان للمعاملة الواحدة.”
مواكبة متطلبات النمو المستدام
من جهته، قال أنتوني دي يوريو المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “ديسنترا” والمؤسس المشارك لـ “إيثيريوم”، إن على الحكومات وصناع القرار أن يبينوا للقطاعات الاقتصادية والخدمية منافع التعاملات الرقمية في مواكبة متطلبات النمو المستدام مستقبلاً، مشدداً على أهمية الاستعانة بالخبراء وتجنّب المعلومات المغلوطة عن العملات الرقمية.
وأضاف دي يوريو: “الناس يخافون مما لا يعرفونه، وعلينا تبديد المخاوف بالتوعية، ويجب عدم استثناء أي طرف من حوارات مستقبل العملات الرقمية حتى يكون الجميع مطلعاً على إيجابيات تطويرها وتبنّي منتجاتها”.
وحول كيفية تنظيم الحكومات للتحول نحو العملات الرقمية، اتفق الخبراء المشاركون على أهمية توفير البنى التشريعية الجاهزة لتنظيم التعاملات الرقمية، بحيث لا تحتاج سوى للتطوير والتحديث والبناء على القائم منها، وذلك بالتعاون والتشاور والتنسيق مع كافة الأطراف المعنية.
استخدامات متعددة
وأجمع المشاركون على أن الاستخدامات المتعددة للتعاملات الرقمية هي التي ستسرّع تبنيها بأسرع مما نتوقع، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الشركات أو بيوت التمويل والاستثمار، لأنها قادرة على تخطي الكثير من العقبات اللوجستية والإجرائية، وتوفير حلول مبتكرة باستخدام أفضل العقول والكفاءات والتقنيات مثل تقنية “بلوك تشين” والترميز الآمن.
ودعا الخبراء المشاركون في حوارات القمة العالمية للحكومات المؤسسات إلى الاطلاع أكثر على خيارات وآليات توسيع استخدام التعاملات الرقمية في مختلف القطاعات، وتوظيفها في توفير الحلول للمشكلات في النظام المالي العالمي القائم، وتسخير ابتكاراتها لخدمة الناس حتى يصبحوا داعمين لها.
دروس “كوفيد-19”
أكد توني ايلوميلو رئيس مجلس إدارة شركة “إيرز هولدينغز” والبنك المتحد لأفريقيا خلال مشاركته في “حوارات القمة العالمية للحكومات”، أن جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد – 19″، تمثل رغم تحدياتها الصحية والاقتصادية الصعبة، فرصة لإعادة التفكير وترتيب الأولويات الأهم لوضع القارة الأفريقية على مسار مستقبل مستدام، وتحديد أهداف المرحلة المقبلة برؤية عملية ومتفائلة، مشيراً إلى أن إفريقيا تشكل منصة عالمية واعدة للصناعة والتجارة ومصدر مهم للموارد البشرية الماهرة.
وتطرق ايلوميلو خلال جلسة بعنوان “المستقبل من منظور أفريقي: 2021 وما بعده”، أدارتها الإعلامية إيليني جيوكوس من قناة “سي أن أن”، إلى مجموعة من الموضوعات التي تشكل ملامح مستقبل القارة الأفريقية، من ضمنها استجابة دولها لتحديات جائحة “كوفيد-19″، إضافة إلى تحليل فرص البيئة الاستثمارية في أفريقيا، وسبل مكافحة الفقر والارتقاء بجودة حياة أفراد مجتمعاتها.
وفي حديثه عن التأثير الاقتصادي للجائحة، أشار إيلوميلو إلى أن الناس لا يريدون الاعتماد على المساعدات الحكومية، فهم يعملون بجد ويمتلكون حس المغامرة، ويريدون إعالة أنفسهم وعائلاتهم والتعايش مع تحديات الجائحة عبر تغيير أنماط الحياة وطريقة العمل. وقال إن الفقر يمثل خطرا على البشرية في كل مكان، فيما تشكّل ريادة الأعمال ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إحدى الطرق التي يمكننا من خلالها معالجة هذا التحدي بطريقة جوهرية، وفي إفريقيا علينا التركيز على الاستثمار في تحسين الوصول إلى الكهرباء، فبدونها لا يمكن رقمنة الاقتصاد”.
تعزيز ريادة الأعمال
وأضاف: “يجب أن يؤمن سكان الدول الأفريقية بأنهم لا يحتاجون إلى الهجرة لعيش حياة كريمة، ونحاول من خلال مؤسسة توني إيلوميلو أن ندعم روح ريادة الأعمال الحقيقية بين الشباب الأفارقة من خلال توفير التمويل والإرشاد ومنصة شبكات الأعمال، وهذا هو التفكير الصحيح الذي نحتاجه لكي ندعم أفريقيا في سعيها للمستقبل”.
وتطرق إيلوميلو إلى وجود الكثير من الفرص الاستثمارية الواعدة في أسواق القارة الإفريقية، وقال: “لا يوجد أي مكان آخر تحصل فيه على عوائد استثمارية مثل أفريقيا، فكل ما عليك فعله هو إيجاد شركاء محليين موثوقين والاستثمار في أفكارهم وشركاتهم ومواصلة دعمهم في مسيرتهم، وإضافةً إلى توفير رأس المال، يجب مساعدتهم أيضاً من خلال اعتماد أفضل أنظمة الحوكمة وتبني الممارسات الناجحة، وقد أدرك القادة أنه يجب توفير بيئة حاضنة ومحفزة للاستثمارات الأجنبية، كما أصبح المستثمرون الأفارقة من القطاع الخاص يضخون استثماراتهم في القارة لأنهم ثقتهم تتزايد بأداء الاقتصادات المحلية”.
وأكد إيلوميلو أن تطوير البنية التحتية وتوفير الكهرباء ودعم الاقتصاد الرقمي والشركات الناشئة من أهم ممكنات مسيرة النمو الاقتصادي في أفريقيا، وقال: “يجب التركيز بشكل أكبر على القطاعات المهمة والواعدة للاقتصاد الأفريقي، مثل النفط والغاز والطاقة والضيافة والرعاية الصحية، وتحديد كيفية ضمان استدامة توفير دعم الحكومات لتحقيق أهدافها”.
واختتم إيلوميلو الجلسة بالقول: “إننا نرى هجرة الناس والتطرف بسبب الفقر وانعدام الأمل ولأنهم لا يرون مستقبلاً أفضل، وبدلاً من أن يكون هناك قلة قليلة من أصحاب المليارات، أفضّل أن أرى شريحة أكبر من الناس الذين يستمتعون بالازدهار والسعادة والذين تُلبى احتياجاتهم، وهذا ما يؤدي إلى معالجة المخاوف الأمنية واستدامة السلام في أفريقيا”.
دروس كورونا
وقال البروفيسور كانيمان إن جائحة “كوفيد-19” فرضت واقعاً جديداً في العالم، وأجبرت الشعوب والحكومات والدول على التأقلم مع ظروف مختلفة للغاية عما اعتدناه قبل الجائحة، وعاش العالم لفترة في عزلة، وحالة من عدم اليقين، وتراجعت الثقة ببعض الحكومات في ظل ضعف المعلومات عن الوباء حتى بعد أكثر من عام على تفشيه، ما يؤكد الحاجة لتحول جذري في سلوكنا الإنساني.
ودعا كانيمان إلى استحداث آلية جديدة لصنع القرارات الحكومية تعتمد على التروي من أجل اتخاذ قرارات صائبة مبنية على معطيات صحيحة، وقال إن هذه الآلية يجب أن لا تقتصر على المسؤولين الحكوميين، بل أن تشمل قطاعات ومؤسسات وأفرادا خارج إطار الحكومة، مؤكدا أن التروي والتوقع الصحيح والأخذ بالأسباب والمعطيات هو مفتاح صنع القرار الأفضل لحكومات المستقبل، وأن القرارات الصائبة في أوقات الأزمات تضمن ازدهار الشعوب.
يذكر أن البروفيسور دانيال كانيمان حاصل على جائزة نوبل للعلوم الاقتصادية عام 2002، وأحد مؤسسي علم الاقتصاد السلوكي، وهو أستاذ علم النفس والشؤون العامة الفخري في مدرسة “وودرو ويلسون” وأستاذ “يوجين هيغنز” لعلم النفس بجامعة برينستون، كما أنه عضو في الأكاديمية الوطنية للعلوم و”المجتمع الفلسفي” و”الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم”، وعضو في “الجمعية النفسية الأمريكية”، و”مجتمع علماء النفس التجريبي” و”مجتمع الاقتصاد القياسي”.
اختبار جاهزية الحكومات
وتصميم المستقبل
وقال رئيس القمة العالمية للحكومات: “واجهت البشرية في الماضي تحديات مختلفة، لكن التاريخ يذكرنا دائماً ببعض المحطات التي شكلت نقطة تحول في رحلة البشرية، ولن ينسى العالم عام 2020 الذي وفر فرصة لمواجهة تحديات جديدة في مختلف القطاعات، أتاحت لنا اختبار أنظمة الرعاية الصحية والتعليمية وقدرة الحكومات على التكيف والتعامل معها بمرونة”، مشيرا إلى أن تركيز الحكومات خلال الفترة المقبلة يجب أن لا يقتصر على جهود تحقيق التعافي من آثار الجائحة، بل يجب أيضا مواصلة توحيد الجهود العالمية لتصميم مستقبل أفضل للمجتمعات.
وأضاف أن الجائحة ألقت بظلالها على الصعيد الاجتماعي والنفسي في جميع المجتمعات، فالجيل الذي شهد تبعات هذا الوباء سيجد نفسه أمام العديد من التحديات المرتبطة بصحته النفسية على غرار الجيل الذي عايش الحرب العالمية الثانية، لهذا على الحكومات دور محوري يتمثل في تطوير استراتيجيات شاملة تراعي احتياجات مجتمعاتها في العقد المقبل، حيث يواجه الجيل الحالي مخاطر متعددة مرتبطة بالأمن الاقتصادي والوظيفي والحياة المستدامة والصحة النفسية.
رؤية إيجابية
وأكد محمد القرقاوي أن استجابة العالم في مواجهة الوباء تعززت بفعل توحد العقول والقلوب والموارد من أجل التغلب على التحديات، ليتم تطوير عدة لقاحات للفيروس في 8 أشهر فقط بفضل التعاون بين العلماء ودعم الحكومات والقطاع الخاص والأوساط العلمية.
وقال: “يجب علينا مواصلة هذا النهج الإنساني الإيجابي لضمان التوزيع العادل والمنصف للقاحات في جميع أنحاء العالم، ويجب أن نتذكر دائماً أن العالم سيتعافى عندما يصبع الناس آمنين في كل مكان”.
وأضاف: “تشير تقديرات البنك الدولي إلى وجود 150 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع، فيما يعيش نحو 3.3 مليار شخص (أكثر من 40% من سكان العالم) تحت خط الفقر، ولهذا فإن توجيه اقتصاداتنا إلى مسارها الصحيح، وإعادة الناس إلى وظائف منتجة، أولوية قصوى لجميع حكومات العالم”.
بيان اليوم