ثلاثة موضوعات
1/ موضوعة أولى
هل يمكن أن نقدم تعريفا واضحا للدين؟ وهل هناك تمييز بين السياسة والدين؟؟ أي هل الدين بالضرورة سياسي أم يمكن أن يكون خاليا من السياسة استنادا إلى التجربة التاريخية للإسلام على مدى 1400 سنة إلى الآن؟؟.
إن النقاش الذي يدور حول: هل الإسلام يتضمن السياسة والدين أم لا؟؟ هل هو دين سياسي أم لا؟؟… يجب أن نتجاوزه. ولماذا؟… لأن الدين موجود بصرف النظر عن فهم الناس له.. يمكن أن يعني الدين بالنسبة للأجداد سياسة واقتصادا وهو ما حدث (ويحدث الآن).. إنه الفقه والخراج. وإن الفكر الاقتصادي في العالم الإنساني القديم بُني على أساس ديني.
إن اجتهادات الفكر السياسي، من الماوردي إلى كل الكتاب الذين تلوه، بنيت على أساس ديني… ولكن هل هذه فريضة دينية؟؟. هذا هو السؤال الذي يجب أن يطرح. فهل يمكن للمجتمعات أن تبني علوما مختلفة، علوما مدنية يمكن أن تفصلها عن المجال الديني؟؟. إن المجتمعات العربية دخلت مثلها مثل المجتمعات الأخرى في إطار هذا الفصل.. وهذه هي الحداثة، وضع يميز بين وظائف الدين أو يعيد بناء القطاعات العلمية على أسس عقلية ليست دينية وليست على أسس الفقه، وإنما على أسس التحليل التجريبي للواقع.
2/ موضوعة ثانية
هل يرفض المسلمون هذا التطور ونُبقي على السياسة الإسلامية مرتبطة بالفقه الديني؟؟. ليس هناك إطلاقا دين منفصل عن التطور التاريخي… إن النص وبمجرد أن ينزل من السماء يُترجم على الأرض حسب شروط الناس وحاجاتهم. إن المسلمين قد طبقوا القانون ولا يزالون، على أساس ديني… فمن أين كانوا سيأتون بقانون لو لم يبدعوا الشريعة؟؟.
إن الشريعة إبداع ونتيجة الاجتهاد… إنهم اجتهدوا مع النص واستخرجوا منه أحكاما وصاغوها في قواعد، هي القواعد الفقهية وقواعد أصول الدين.. لقد كانت لهم حاجة لذلك.. لم تنزل الشريعة في كتاب مستقل اسمه الشريعة.. والشريعة تعني اتباع طريق الله.. الطريق الصحيح.. لا يوجد شيء مقفل تماما في الدين أو في السياسة.
الأساس هو: كيف يمكن للدولة أن تكون فوق السياسة؟.. إن هناك مفهومين للدولة ونعتقد أن الموضوع مطروح للتفكير والاجتهاد.
إن الدولة لا تصنع السياسة.. نحن عشنا في فترة (ولا نزال) كما لو أن المجتمع عاطل، وهو أمر صحيح والدولة هي التي تصنع السياسة، لأنها هي من تتخذ القرارات وتقول ما هو صحيح وما هو خطأ وتتبنى استراتيجيات.
وبالعُمق المتوخى، فعندما نفكر بالمجتمعات الغربية وبالحداثة وكيف تطورت هذه المجتمعات، نعرف أن الدولة متنفذة.. هي جهاز آلي لتحقيق سياسة تتبلور عبر الرأي العام بمرحلة أولى ويفرضها المجتمع.. تتبلور عبر تنظيمات سياسية – اجتماعية تخضع للتغيير والتّبديل، ويأتي الحزب السياسي إلى الحكم ولديه أجهزة الدولة يستخدمها من أجل أن يطبق سياسة تتبلور أساسا في المجتمع الأهلي نفسه.
3 / موضوعة ثالثة وأخيرة
إن المفكرين الأوروبيين الذين عاشوا وساهموا في عصر التّنوير والذين شكلوا القيم الحديثة والمشروعية الحديثة كانوا من عائلات دينية ومحافظة، وبانتمائهم هذا انبرزت بشكل أخّاذ مسألة التمايز بين المشروعية التقليدية للحكم والمشروعية الحديثة. لماذا؟؟ في اعتقادي فإن التركيز على مفهوم المواطنة وعلى تنمية هذا المفهوم في واقعنا الراهن يبدو أكثر ملحاحية. لكن المواطنة على أي أساس، على أساس أي مشروعية؟؟
إن توسيع مفهوم المواطنة من المشروعية التقليدية إلى المشروعية الحديثة هو الذي أتاح ترسيخ مفهوم المواطنة بالمعنى الحديث للكلمة. فهل يا ترى تستطيع مجمعاتنا العربية الإسلامية، بعد الفصل بين الدين والسياسة، وبين السياسة والدولة، الانتقال من مشروعية قديمة إلى مشروعية جديدة؟؟؟.
التركيز على مفهوم المواطنة والتّساوي لجميع المواطنين أمام القانون وأمام مؤسسات الدولة يمكن أن ينهي المشكلة/ المحنة. بل وبتشكّله لا يُخشى على المجتمع أو الدولة من أي هبة ريح أو من أي محاولة خارجية لتفتيت المجتمع؟؟.
بقلم: عبد الله راكز