عندما يغور الجذر الديني في الشعارات “اليسراوية” العربية؟
1 في البدء:
كما رفضت الاتجاهات “القومجية” المرحلة الرأسمالية الديمقراطية، ومثلها فعلت الأصولية الدينية برفضها جوانب أساسية من هذه المرحلة، كذلك، وبنفس الحال، فإن التيارات “الشيوعية وسليلاتها” قامت بالقفز فوق التشكيلة الرأسمالية. ثم، لقد غدت الرأسمالية في وعي (الماركسية العربية) طريقا مسدودا يجب تجاوزه، عند الانتقال إلى “الإشتراكية”؟؟؟.
لقد كانت الماركسية العربية تستورد للأسف، الخطوط العامة للتفكير من خارج الوضع الاجتماعي للشعوب العربية؟. فلم، إذن تتوجه هذه الأحزاب إلى التعاون مع البورجوازيات العربية/ التبعية/ الريعية/الهجينة لأجل تشكيل أنظمة شبه علمانية، في سياق الممتنع: الثورة الوطنية الديمقراطية؟؟.
إنها قامت بالقفز على الشروط المادية والذاتية، في كفاح اتسم بحرق المراحل، واعتماد الإرادوية الذاتية المليئة بالتضحية غير الصبورة. وللأسف كان من نتائج هذا إقامة أحزاب ومنظمات شمولية وذكورية تنتسب قهرا لما يسمى باليسار؟، تسيطر فيها إرادة الزعماء “الكارتونيون” المطلقي الصلاحية، وتستغل للأسف، الشعارات المادية والدينية كافة لتحقيق عملية مُبهمة نزقة لتحقيق ما يسمى عملية “التسريع الثورجي” الذي يتجه بدون أدنى شك نحو الطرح الشمولي..
إن الجذر الديني يغوص لامحالة في الشعارات اليسراوية الشعبوية، عبر تشكيل وعي غيبي مستقبلي، تتحقق فيه الجنة الدنيوية الخالية من الطبقات، الغد المبهم والكلي غير المنظور للإنسانية، فتتم التضحية بالأجيال الحاضرة ويتم العجز عن إيجاد تصور عميق لحل المشكلات العميقة الراهنة، عبر قفزة تسريعية نحو الغد.. يبدو الطابع الديني في الشعارات “اليسراوية” كذلك، في النظرة التقديسية لوطن “الاشتراكية” الأول، وعدم القدرة على معالجة فصل الدين عن الدولة والسياسة. وأستغرب شخصيا، كيف لضحايا التجربة اليسراوية على امتداد العالم العربي (ومنه المغرب) لا يزالون يمجدونها رغم أنهم ضحاياها، ورغم أنهم عاينوا بالعين المجردة كيف استثمر بعض منتسبي التجربة هذا كله لتحقيق آمال مسكوت عنها، ومضمرة في مسلكياتهم. التجربة كانت عامة في خلاصاتها على مستوى العالم العربي من مصر، مرورا بتونس ووصولا إلى المغرب.
2 في المتواصل غير المنتهي:
لربما تحققت نتائج نسبية من التجارب القومية والشيوعية العربية (على قلتها: تجربتي البعث بكل من سوريا والعراق، والتجربة اليسراوية باليمن الجنوبي؟؟)، عبر نهوض القوى الشعبية، المدنية بالأساس، بل وتشكلت تجارب اجتماعية محسوبة على هذا المنوال، إلا أن معاندة الواقع الموضوعي، والقفز على التطور الرأسمالي، دمرت في النهاية الكثير من المكتسبات الكفاحية التي تحققت على مدى عقود سابقة.
الغريب أن “التجربة القومجية” وحتى “اليسراوية” أيضأ، ونقل نموذج حكم الحزب الواحد، وفرض قيادته على المجتمع وإبعاد البورجوازية المتوسطة العربية، ساهمت في إشاعة مناخ شمولي، وألغت كما قلنا سابقا، الجوانب الليبرالية والديمقراطية التي تحققت في الحياة العربية (=مصر بالدرجة الأولى). والحال، فلقد تحولت النقابات والجمعيات (كما هو الحاصل الآن) إلى أدوات الحزب الواحد، بدلا من أن تخدم طبقاتها وفئاتها وتنمي تطورها العصري.
إن الاستخدام النفعي الانتهازي للشعارات “القومية” و”الدينية” و”الشيوعية المبتذلة” في عجينة شمولية، هو حافظ على البُنى التقليدية الأساسية، ولهذا، لا غرابة أن تكون سيطرة الدولة المطلقة، هي سيطرة الدين التقليدي على الوعي والحياة، سيطرة الأغنياء المتحكمين في أجهزة الدولة وذهاب الفائض الاقتصادي إليهم وغيره من التداعيات (أليست حكومة المغرب الحالية أكبر مثال؟؟) ..
لنختم: إن استمرار بقايا المرحلة الإقطاعية في تجارب الأحزاب القومجية واليسراوية بعدم كفاحها من أجل الدمقرطة الشاملة للمجتمعات العربية، وترسيخ التطور الرأسمالي بكل جوانبه الليبرالية، قد جعلها موضوعيا تواصل إبقاء مجتمع الاستبداد الشرقي، مُشكّلة قشرة “تقدمية” فوقية تآكلت هي الأخرى مع الزمن.
بقلم: عبد الله راكز