أكد المعهد الملكي للدراسات الاستراتجية، أن الجزائر هي الطرف الرئيسي في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وأنها أنشأت مشروع ما يسمى “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية باعتباره “مشروعا تجريبيا” يهدف إلى زعزعة استقرار المغرب والحصول بحكم الواقع على ممر نحو المحيط الأطلسي”.
وأوضح المعهد الملكي للدراسات الإستراتجية، في الكتاب الأبيض الذي أنجزه حول قضية الصحراء المغربية، أن فكرة الحصول على ممر نحو المحيط الأطلسي، أمر عجزت عليه القوة الاستعمارية فرنسا نفسها، ناهيك عن فرض الهيمنة الجزائرية في المنطقة برمتها، مشيرا إلى أن حكام الجزائر جعلوا من ما يسمى “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” وجبهة البوليساريو امتدادا لنموذجهم القائم على العنف، وحاولوا في عهد بومدين الضغط على الرئيسين التونسي الحبيب بورقيبة والموريتاني ولد داداه من أجل حشدهما ضد المغرب في ستينيات القرن الماضي، لكن دون جدوى، حيث لم تنجح في مساعيهم، وأصبحت بذلك الجمهورية الوهمية وجبهة البوليساريو أداة ضغط وتهديد غير مباشر.
وبحسب مؤلفي “الكتاب الأبيض” فإن ما يسمى بـ “البرلمانيون” و”الوزراء” و”الموظفون المدنيون والعسكريون في الجمهورية الوهمية، يحصلون على رواتبهم من الحكومة الجزائرية، بل ويحصل بعضهم عليها مباشرة من المخابرات العسكرية، كما أنه في الرابوني، القريبة جدا من تندوف الجزائرية، توجد معسكرات الاعتقال والسجون التابعة لجبهة البوليساريو، بما في ذلك سجن الرشيد السيئ الذكر، حيث يعذب السجناء ويُعدم بعضهم دون محاكمات.
وذكر الكتاب، أن الجزائر تنازلت بحكم الواقع عن جزء من أراضيها في منطقة تندوف لصالح البوليساريو، حيث تسير الجبهة شؤون هذه الأراضي تحت إشراف الجيش الجزائري ومراقبته وتسعى الجزائر من خلال هذا الأمر إلى التنصل من مسؤوليتها عن الانتهاكات التي ترتكبها الجبهة الانفصالية بجميع أنواعها، (القمع وتهجير الأطفال بحجة الدراسة واختلاس المساعدات الإنسانية الدولية) وبما أنه لا توجد أي وثيقة مكتوبة ومسجلة لدى الأمم المتحدة بشأن هذا التنازل، تظل الجزائر مسؤولة بشكل كامل ومشترك مع البوليساريو عن الانتهاكات المذكورة في المخيمات.
وأورد الكتاب، أنه بالإضافة إلى كونها قاعدة عمليات ومقر لأنشطة جبهة البوليساريو، ودعمها ماليا ولوجستيا على المستوى العسكري والدبلوماسي والإعلامي، فإن التدخل الجزائري في قضية الصحراء يصل إلى حد المشاركة المباشرة، كما يتضح من خلال التصريحات الرسمية للقادة الجزائريين الرافضين للمبادرات الأممية والمغربية المتعلقة بحل النزاع، ومن خلال حرص المسؤولين الجزائريين على تحرير المداخلات والملاحظات لممثلي البوليساريو أثناء محادثات السلام في الأمم المتحدة والهيئات الدولية والإقليمية.
وخلص الكتاب إلى أن النزاع حول الصحراء المغربية نزاع مفتعل وناجم عن إرادة القوى الاستعمارية إضعاف الإمبراطورية الشريفة التي كانت تشكل خلال القرون الماضية، قوة سياسية وعسكرية كبيرة تحدد هيمنتها على حوض البحر الأبيض المتوسط، وأعقب ذلك تفكيك منهجي لأراضي الإمبراطورية الشريفة ومحاولات عديدة لتقسيمها، وكان فصل أراضي الصحراء المغربية عن المغرب أحد الأمثلة على هذا الأمر فقط.
وأضاف المصدر ذاته، أن المجتمع الدولي أشاد بالمغرب، سواء من خلال الاعتراف بالإجماع بجدية مبادرة الحكم الذاتي، على اعتبارها الحل الوحيد ذي المصداقية لتسوية هذا النزاع المفتعل، أو من خلال الاعترافات المتعددة بمغربية الصحراء، كما يشهد على ذلك اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية في دجنبر 2020، وافتتاح تمثيليات قنصلية في كل من العيون والداخلة وكذا سحب الاعتراف بالجمهورية الوهمية، حيث أضحت مزاعمها الكاذبة وادعاءاتها وقدرتها على زعزعة الاستقرار مكشوفة وواضحة للعيان.
وشدد الكتاب على أن دعم ميليشيا مسلحة، ذات صلات مثبتة مع الجماعات الإجرامية والإرهابية في منطقة الساحل، من شأنه أن ينذر بزيادة عدم الاستقرار في هذه المنطقة وتعزيز الحركات المسلحة، مما يعرض للخطر استقرار المغرب العربي وإفريقيا وحتى أوروبا.
يشار إلى أن الكتاب الأبيض حول قضية الصحراء المغربية، صدر بأربع لغات العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية، وتم إرفاقه بالتسلسل الزمني للأحداث، وبقائمة مراجع غنية تضم أزيد من 130 مؤلفا لكتاب معظمهم أجانب.
ويضم هذا المؤلف أربعة فصول، أولها بعنوان “التفكيك الاستعماري للإمبراطورية المغربية الشريفة في القرنين التاسع عشر والعشرين”، وانطلاقا من الرؤية الملكية، يبرز الفصل الثاني من الكتاب الأبيض الوضعية الراهنة في الصحراء المغربية، وإعطاء الأولوية للتنمية اللامركزية ودينامية التنمية برعاية الدولة المغربية والاستراتيجيات الوطنية والإقليمية التي تضع الإنسان في صميم أولوياتها.
ويتناول الفصل الثالث الوضعية في مخيمات تندوف، وكيف أنها جيب خارج عن القانون فوق التراب الجزائري. كما يتطرق للانقسامات داخل جبهة البوليساريو، ويبين أنها عامل لزعزعة الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، فيما يتناول الفصل الرابع والأخير مسؤولية الجزائر كطرف مباشر في النزاع، وكيف تقوم باستغلاله ويبرز تعنتها وإصرارها على استمرار النزاع في الصحراء على حساب التنمية المغاربية.
< محمد حجيوي