ما أجمل الشعر والأدب الذي كتب وراء القضبان في زنزانات الإحتلال والإستبداد الداخلي والخارجي على حد سواء، يكتبه المناضلون الصادقون لتحرير أوطانهم وشعوبهم من رجس الاحتلال الأجنبي أو الاحتلال الداخلي للطغاة الأجراء والمستبدين واللصوص. إنه الأدب الثوري والإنساني الحقيقي النابع من النفوس الكبيرة الشجاعة ومن الإرادة الفولاذية التي لاتلين في سبيل حرية الإنسان والوطن.
لم يكن شعر هوتشي مينه، الرئيس الفيتناميّ الراحل، يحمل في طيّاته طابعاً أيديولوجياً بنـّاءً على ما قضاه من العمر في المجال السياسي الذي يعتاده الضيق في المشاعر، وبعبارةٍ بديلةٍ شعره لا يُعدّ شعراً سياسيّاً؛ وإنّما هو شعر تميّز بالصفاء والصدق والبساطة، وسرعان ما يستميل النفوس ولو بمجرد نظرة عابرة تلقى عليه.
وإذا سلّطنا الضوء عبر دلالة الخطاب سنجد أنّ قصائده تتحدّث مع مختلف أصناف الناس من فييتناميين وغيرهم. والشاعر مع فرض الأيام له تجربةَ الرِيادة في العمل السياسي إلا أنّنا نراه يتخطّى هذه التجربة إلى ما هو أسمى منها متجهاً نحو الشعور بالبعد الإنساني والتغني به من قرَارة وجوده.
ومن هذا المنطلق، حدا بنا التأمل في شعره إلى لزوم ترجمة البعض منه، لكن الترجمة هنا لا تقدم من خلال قراءتنا للنصوص المكتوبة بلغته الأم ـ لا نعرفها تماماً ـ وإنّما من لغة ثانية حيث ترجم الديوان إليها وهي الفارسية. وهذا النوع من العمل وإن كان لا يحسن بالتمام في كافة فروع الآداب والمعرفة والعلم.. إلا أنّ الوقوف على جانب المضمون الذي يحتفظ به عادةً في هذا النوع من الترجمة لا يخلو من تمتع وحسن إفادة.
ثم في أقل تقدير أنّ الترجمة المقبلة يمكنها أن تُسرج لنا فانوساً نستطيع في ضوئه أن نشهد مستوى الرؤى والمشاعر.. التي كتب بها نتاجه الشعري أثناء مصير السجن، وهو يتنقل به بين حين وآخر إلى ما هو أنأى من أرضه وأهله مغموراً بأبعاد مختلفةٍ من الحزن والحنين.. ختاما، لا يخلو التأمل في النصوص الآتية ممّا أشرنا إليه مبكـّراً وهذا هو دافع الترجمة بصورةٍ عامّة.
* الليل البارد
في ليل الخريف البارد
حيث
لا سرير
ولا قَصَبة
ولا عِراق ريشةٍ
ألتف بنفسي على نفسي
لا يمكن أن أطبقَ عينيّ
ضوء القمر يسطع على شجرة الموز
يزيد البرودة حِدّةً
أنظر من فَجْوَة القضبان
الدُّبُّ الأصغر نائم في السماء.
* أثناء الطريق
شدوا عضُدي ورجليّ بقوة
لكن الطيور تغرّد فوق التلال
طليقة
والزهور تبرعم.
من الذي يمكن
أن يمنعني من هذا الهَناء؟
ألاّ أشَمَّ العبق
وأسمَعَ التغريد؟
الآن في طريقي المليء
بالتعب والوجع..
قليلاً ما أشعر بالعزلة.
* زوجة جندي هارب
لا عاد ذلك اليوم ْ
إذ مضيت
وتركتني
بين الهمومْ
تألّم الأمن الخاص
ودعاني للسجن
لإقامة قصيرة
لأنني بقيِت وحيدة.
* صوت مقامر سجين
لم يبقَ إلاّ جلد على عَظم
لم يقضِ إلاّ ليلة بجنبي
البؤس والبرودة فتكا به
والجوع أنهى حياته
اليوم صباحاً
التحق بالعالم الأبدي.