كشفت الانتخابات الجزئية التي عرفتها عدد من الدوائر الانتخابية التشريعية والجماعية عن عزوف كبير وصل إلى أرقام قياسية تنذر ببلوغ أزمة الثقة بين المؤسسات والمواطنين إلى مستوى غير مسبوق.
وحسب ما تابعته بيان اليوم في الانتخابات الأخيرة التي جرت بعدد من المدن والقرى، فإن نسب المشاركة وصلت إلى أرقام مفزعة، حيث وصلت وسط العاصمة الرباط في دائرة المحيط إلى 6 بالمائة.
ونفس الأمر بجماعات ودوائر انتخابية أخرى لم تتعد فيها هذه النسبة 5 بالمائة من الكتلة الناخبة. فوفق ما نقله الموقع الإخباري “أكادير 24” فإن الانتخابات الجزئية التي جرت بالدائرة الانتخابية رقم 2 بالجماعة القروية تالمكانت قيادة أركانة تارودانت الجنوبية، والتي تضم حوالي 224 مسجلا في اللوائح الانتخابية، لم يصوت منهم سوى 13 ناخبا، وأن الأكثر إثارة للدهشة أن جميع الأصوات الـ 13 كانت ملغاة، حيث عبر الناخبون في أوراق التصويت عن رفضهم التام لكلا المرشحتين المتنافستين، وهما مرشحة عن حزب التجمع الوطني للأحرار ومرشحة عن حزب الأصالة والمعاصرة.
إن نسب المشاركة المتدنية التي كشفت عنها هذه الاستحقاقات الانتخابية الجزئية، تطوي بين ثناياها رسائل بالغة الدلالة حول تنامي مستوى عدم ثقة غالبية المغاربة في هذه المؤسسات المنتخبة، وبالتالي فإن هذه النتيجة الغير مسبوقة، ينبغي أن تكون مفجعة لكل من يهمه أمر هذا الوطن، لأن تدني نسبة المشاركة إلى الحضيض، دون أن يرف جفن لهؤلاء المسؤولين، هو أمر خطير ينبئ بضبابية قاتمة في خارطة المستقبل الانتخابي، في ظل هذا الواقع المشبع بالتشاؤم والإحباط، خاصة ونحن على بعد سنتين من انتخابات 2026.
بالإضافة إلى ذلك فإن تدني نسبة المشاركة إلى هذا المستوى الكبير، بات يطرح أكثر من سؤال حول شرعية هذه المؤسسات المنتخبة، ومصداقية الفاعل السياسي والحزبي في علاقة بما يروج له من خطاب، كما هو حال رئيس الحكومة الذي أعياه “تصويت الناخبين لحزبه” كما قال أمام تجمع لشبيبة حزبه بأكادير، وكأنه يريد أن يقول إن حجم الأموال التي صرفها حزبه في كل انتخابات لاستمالة الناخبين وشراء ذممهم فاقت كل التوقعات، وباتت بالفعل مصاريف متعبة، تثقل كاهله.
هذا دون الحاجة إلى التذكير بأن الخطاب الذي تروج له أحزاب الأغلبية الحكومية، على غرار خطاب “مهبول أنا غادي في الأطوروت” أصاب غالبية الشعب المغربي، وخاصة الشباب بالإحباط، وزاد من فقدان الثقة في المؤسسات، في ظل واقع لم تتحسن فيه الأحوال المعيشية للمغاربة، ولم تترسخ فيه، دعائم الخيار الديمقراطي الذي ارتقى به دستور 2011 إلى مرتبة الثوابت التي لا ينبغي المس بها أو الإخلال بها.
إن استهداف العملية الديمقراطية، من خلال تلك الأساليب والممارسات البئيسة التي تستعملها أحزاب الأغلبية الحكومية، باتت تلقي بظلالها على عميلة التصويت، حيث دفعت بالمواطنين إلى العزوف، في ظل فقدان الثقة في المؤسسات المنتخبة وفي العملية الانتخابية بصفة خاصة.
إن النسبة المتدنية سواء في دائرة المحيط بالرباط، التي قد تعد واحدة من أدنى نسب المشاركة في العالم، أو تارودانت أو بني ملال أوغيرها، من المفترض أن تحدث نوعا من الارتباك والاضطراب لدى الدولة، ولدى الحكومة على وجه التحديد في تعاطيها مع صدمة تدني الإقبال على صناديق الاقتراع، لكن عوض ذلك، فضل بعض قادة هذه الأحزاب الهروب إلى الأمام، والترويج لخطاب “الانتصار الكاسح” متناسينا أن هذا النوع من الخطاب الذي يروجون له يمهد لعبور البلاد من نفق مظلم يصعب التكهن بأفقه.
والمؤسف أن بعض ممن يدعون التحليل السياسي، على بعض القنوات أو على مواقع التواصل الاجتماعي يروجون لنفس الخطاب، ويعزفون على نفس الإيقاع، دون القدرة على الاعتراف بوجود تخبط في الخطاب السياسي الذي لم يعد قادرا على الاستقطاب في ظل واقع اجتماعي واقتصادي متردي لا يساعد على تصالح المغاربة مع السياسة ومع العملية الانتخابية التي من المفترض أن تساهم في الارتقاء بأحوالهم المعيشية، والسياسية.
< محمد حجيوي