ندوة فكرية تستحضر ذاكرة الكفاح في الصحراء المغربية وتناقش رهانات التنمية في ظل الحوزة الترابية

أسرة المقاومة وجيش التحرير تنظم أنشطة متنوعة بالعيون تخليدا للذكرى السابعة والستين لمعركة الدشيرة الخالدة

تكريم الزميل الصحافي “كريم بن عمار” عن جريدة “البيان”

خلدت أسرة المقاومة وجيش التحرير، يوم السبت بمدينة سمارة، الذكرى السابعة والستين لمعركة الدشيرة الخالدة، والذكرى التاسعة والأربعين لجلاء آخر جندي أجنبي عن الأقاليم المسترجعة بعد المسيرة الخضراء.
وأشرف على الحفل الذي احتضنته سمارة، الدكتور مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وافتتح الوفد، الذي زار جهة العيون لمدة ثلاثة أيام، أنشطته المخلدة لذكرى معركة الدشيرة بقراءة الفاتحة على روح شهداء المعركة التاريخية، الذين استشهدوا خلال الغارة التي دحرت الجيش الاسباني سنة 1958، قبل أن يقوم بزيارة فضاءات “الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بالدشيرة”.
كما تمت زيارة فضاءات جديدة للذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير، بمدينة سمارة والتي كان تحديثها وفق الاستراتيجية الناجحة والطموحة التي اعتمدتها المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير. وتم فيها تكريم الزميل الصحافي “كريم بن عمار”، عن جريدة “البيان بالفرنسية”، تتويجا لمساهمته ومشاركته الفعالة للأنشطة المخلدة للذكرى 49 لجلاء آخر جندي عن الأقاليم الجنوبية للمملكة، وأكد بن عمار في تصريح لجريدة “بيان اليوم”، أنه سعيد بهذا التكريم الذي لم يكن في حسبانه، مشددا أن التكريم ليس لشخصه بل هو تكريم لجريدة البيان بالفرنسية، وبيان اليوم ولكل الزملاء الصحافيين العاملين بها والأطر الإدارية والتقنية.
ويأتي هذا الاحتفاء في الوقت الذي يستحضر فيه الشعب المغربي، ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير، الذكرى السابعة والستين لمعركة الدشيرة التي تعد محطة تاريخية تجسد عمق الارتباط الوطني بمسار الكفاح من أجل استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية.
وتشكل معركة الدشيرة، التي خاضها جيش التحرير ضد الاحتلال الأجنبي، حدثا مفصليا في مسيرة المقاومة المسلحة، حيث أكدت التلاحم الوثيق بين العرش والشعب في الدفاع عن السيادة الوطنية؛ وهو النهج الذي تواصل في ملحمة المسيرة الخضراء واسترجاع باقي الأقاليم الجنوبي.
وبهذه المناسبة المجيدة، سطرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير برنامجا للأنشطة والفعاليات المخلدة لهذين الحدثين المجيدين، بسمارة والعيون، تشتمل على مهرجانات خطابية وندوة فكرية، بحضور السلطات الإقليمية والمحلية والمنتخبين وفعاليات المجتمع المدني، والمنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير.
وفي إطار تخليد هذه الذكرى، أكد مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في كلمته التي ألقاها بمدينة السمارة العاصمة العلمية للأقاليم الجنوبية للمملكة، أن معركة الدشيرة تظل رمزا خالدا للنضال الوطني، إذ برهن المغاربة عن بسالتهم في الدفاع عن أرضهم؛ وهو النهج ذاته الذي يواصله المغرب اليوم تحت قيادة الملك محمد السادس، من خلال ترسيخ مغربية الصحراء عبر الدينامية التنموية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية.
وأبرز الكثيري، أن هذا الحدث الوطني يعد مناسبة لاستحضار القيم النضالية التي ظلت ركيزة في مواجهة التحديات، سواء في مرحلة التحرير أو في مسار التنمية الشاملة، لافتا إلى أن “معركة الدشيرة تعتبر بحق معلمة بارزة في تاريخ الكفاح الوطني، ألحق فيها جيش التحرير هزيمة نكراء بقوات الاحتلال الأجنبي في الفترة من 1956 إلى 1960”.
وأشار المندوب السامي إلى أن “معركة الدشيرة تعتبر حلقة ذهبية ترصع سلسلة الأمجاد والملاحم البطولية دفاعا عن الوحدة الترابية التي تحققت بفضل النضال المستميت للعرش والشعب، الذي تكلل بالمسيرة الخضراء المظفرة وإنهاء الوجود الأجنبي بالأقاليم الجنوبية”، مؤكدا أن ربوع الصحراء المغربية ستظل شاهدة على ضراوة هذه المعارك كمعركة “الرغيوة” و”المسيد” و”أم لعشار” و”مركالة” و”البلايا” و”فم الواد”.
كما تم بالمناسبة نفسها، تنظيم برامج أنشطة وفعاليات تربوية وثقافية وتواصلية مع الذاكرة التاريخية بسائر النيابات الجهوية والإقليمية والمكاتب المحلية وفضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير المفتوحة عبر التراب الوطني، وتعدادها 104 فضاءات وحدات، بتنسيق وشراكة مع القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والهيآت المنتخبة والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني.
وبهذه المناسبة أيضا نظمت ندوة فكرية تحت عنوان ” الصحراء المغربية من التحرير إلى البناء، تراكمات الذاكرة وأسئلة الحاضر”، سيرها الدكتور “عبداتي الشمسدي، باحث في التاريخ الجهوي للجنوب المغربي، ومدير مساعد بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين.
وشملت الندوة ست مداخلات، تجسدت المداخلة الأولى في موضوع “حضور القضية الوطنية في الكتب المدرسية المغربية، دراسة لنماذج مختارة”، للأستاذ رضوان اطويل، باحث في الخطاب الشرعي وقضايا العصر الأكاديمية الجهوي للتربية والتكوين لجهة العيون الساقية الحمراء”، والذي أكد في مداخلته أن موضوع حضور القضية الوطنية في المناهج التعليمية المغربية أمرا ملحا أكثر مما مضى خصوصا ما خصصه خصوم الوحدة الوطنية من استثمارات لضرب القضية الوطنية الأولى للمغاربة. وشدد الأستاذ في مداخلته عن الدور الذي قامت به الجزائر وكيانها الوهمي من إدماج قضية الصحراء ضمن المقرر الدراسي للمتعلمين، علاوة على تمويلها العديد من الدراسات التي تسير وفق أكاذيبها، وتسخر مناديب ووفود لحضور التظاهرات والملتقيات للدفاع عن كيان وهمي صنعته للنيل من المملكة المغربية.
أما في ما يخص المداخلة الثانية والتي سطرت تحت عنوان، “بيعة علماء وشيوخ الصحراء للملوك العلويين، تأصيل شرعي وتجسيد لوحدة الأمة المغربية”، وهي من تأطير الدكتور شعيب النوهايدي، رئيس مركز بصير للأبحاث والدراسات والإعلام، والذي لفت أن إمارة المؤمنين تستمد شرعيتها الدينية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وإجماع السلف الصالح إذ أجمع علماء الأمة على أن إمارة المؤمنين واجبة لإقامة دين الله وحمايته وسياسة أمور الناس الدنيوية وحراستها، وركز النوهايدي في مداخلته أن البيعة ليست مجرد تقليد تاريخي، بل هي عقد شرعي وسياسي يرسخ وحدة الأمة المغربية تحت قيادة الملوك العلويين، ويؤكد عمق الروابط بين مختلف مكونات الشعب المغربي.
أما المداخلة الثالثة والتي كانت من تأطير الأستاذ ياسين بنروان وهو أستاذ وعضو المجلس العلمي بالعيون، تحت عنوان “السيادة المغربية علو الصحراء من خلال الوثائق والمراسلات”، حيث أوضح بنراون أن الوثائق والمراسلات التي وقعت بين شيوخ وعلماء الصحراء المغربية وسلاطين الدولة العلوية الشريفة، منذ عهد السلطان المؤسس مولاي علي الشريف دفين الريصاني 1069هـ إلى عهد الملك محمد السادس تعد من أبرز تجليات السيادة المغربية على الصحراء، فالمتحدث يقول، “عند القيام بقراءة تاريخية وفق نسق علمي استقرائي لبعض الوثائق الخاصة بعقود البيع والشراء والرهن والقرض والزواج نجد تداول أهل الصحراء المغربية للعملة المغربية لا سيما الريال الحسني.”
وفي السياق ذاته شملت المداخلة الرابعة والتي كانت تحت عنوان “أدوار الإعلام في توثيق شهادات المقاومين وانتصارات المقاومة في المحطات الخالدة- عمل قناة العيون نموذجا”. للدكتور لحسن بوجدور، دكتور باحث في الإعلام والسينما، صحفي ومخرج بقناة العيون، حيث أكد في مداخلته على الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام في توثيق المحطات النضالية الخالدة، والذي أصبح شاهدا على الأحداث ومساهمته في حفظ الذاكرة الجماعية للأمم في السياق الوطني، حيث شدد بوجدور، أن قناة العيون كوسيلة إعلامية رائدة في توثيق شهادات المقاومين ورصد انتصارات المقاومة، كما أنها سلطت الضوء على تضحيات الأبطال الذين ساهموا في الدفاع عن الوحدة الوطنية.
أما المداخلة الخامسة والتي أطرها الدكتور الطالب بويا زايدنا ماء العينين، وهو دكتور باحث في الشأن التنموي والسياسي للأقاليم الجنوبية، تحت عنوان “جيو- بوليتيك الحكم الذاتي على ضوء قابيلة الحل للتنفيذ”، حيث لفت ماء العينين خلال مداخلته إلى خطاب الملك محمد السادس، في ذكرى المسيرة الخضراء في 6 نونبر 2005 والذي أعلن فيها الملك عن المبادرة الملكية التي بموجبها يمنح حكما ذاتيا لسكان الأقاليم الصحراوية، فالملك سعى إلى احتواء كل التطورات غير المرغوب فيها والتي من شأنها أن تحيل إلى أمور لا تخدم مصالح المغرب بخصوص قضيته الوطنية الأولى.
أما المداخلة الأخيرة والتي سطرت تحت عنوان “الدينامية الحضرية بالأقاليم الجنوبية المغربية، حالة مدينة العيون القطب الجنوبي الصاعد”، من تأطير الدكتور محمد اعمر، أستاذ باحث في الجغرافيا البشرية، الأكاديمية الجهوي للتربية والتكوين لجهة العيون الساقية الحمراء، حيث أوضح أن مدينة العيون تعد حاضرة الجنوب وأكبر تجمع حضري بالجهات الجنوبية الثلاث، وتأتي الدينامية الحضرية لهذه المدينة في سياق الأوراش التنموية التي تعرفها جهة العيون الساقية الحمراء، حيث يرى الفاعلون والمتدخلون في مشروع الدينامية الحضرية تحقيق تنمية وطفرة في المشهد الحضري وكذا الحياة الحضرية لساكنة المدينة، لذا من الضروري العمل على حد الاختلالات المسجلة بالمدينة وتثمين مختلف الإمكانات التي تتواجد بها.
وفي ختام الندوة الفكرية، تم توقيع اتفاقية إطار بين النيابة الجهوية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير والمديرية الجهوية لقطاع الثقافة بالعيون تعنى بتثمين تراث المقاومة وجيش التحرير وإخصاب الذاكرة التاريخية المحلية والوطنية.
كما تم توزيع شواهد المشاركة على المتدخلين في الندوة، وتكريم لشركاء النيابة الجهوية بالعيون في مجال بصيانة الذاكرة التاريخية الوطنية والعناية بالرصيد التاريخي لفترة الكفاح الوطني والتحرير لكل من، المدير الجهوي لقطاع الثقافة بجهة العيون الساقية الحمراء، والإعلامي الدكتور السالك بوجدور، مقدم ومعد برنامج “حديث المدينة”، والمدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بإقليم العيون، والفاعلة الجمعوية محجوبة المهر رئيسة جمعية ” رضا الله للتعاون الاجتماعي”.

 مبعوثة بيان اليوم لسمارة- العيون : هاجر العزوزي
 تصوير : حكيم مغراوي

Top